معاناة الأطفال في اليمن
خليل المليكي - صحفي يمني
تدخل الحرب في اليمن عامها التاسع ويزداد الوضع تعقيدا على كافة المستويات، نتائج هذه الحرب وآثارها تتضح جليا في صورة الطفولة المنهكة المعذبة بفعل الحرب والنزوح المتكرر وانعدام المناخ المناسب للتعليم والصحة والسكن.
"من شأن الظروف المعيشية لأطفال اليمن أن تجلب العار على البشرية. لا يوجد عذر لمثل هذا الوضع السوداوي في القرن الـ 21. الحروب والأزمات الاقتصادية وعقود من التراجع في التنمية لا تستثني أي فتاة أو فتى في اليمن. معاناة الأطفال هذه كلها من صنع الإنسان". بهذه الكلمات ختم خِيرْت كابالاري، المدير الإقليمي لليونيسف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في احدى زيارتيه لليمن ليُسدل الستار عن مأساة الأطفال والطفولة في اليمن
على قارعة الطريق في احد شوارع مدينة مأرب يعمل الطفل عيبان الجرادي البالغ من العمر 12 عاما على بيع التين الشوكي، وهي مهنة شاقة لطفل صغير كعيبان .
يتحدث عيبان عن تركه التعليم ليتمكن من مساعدة أهله في تغطية مصاريف البيت .. فهو يعمل منذ أربعة أعوام ويتنقل من شارع الى اخر ليبيع كل البضاعة التي في "عربيته" ليتمكن من مواصلة البيع والشراء والربح بشكل يومي والا سيخسر ان توقف ليوم واحد في هذا السياق قالت منظمة مساءلة لحقوق الإنسان في بيان مشترك مع منظمات اخرى، " إن مستقبل أطفال اليمن مسروق نتيجة الهجمات على البنية التحتية والتعليم حيث يواجه أطفال اليمن تهديدًا خطيرًا على مستقبلهم بسبب الهجمات المستمرة على البنية التحتية التعليمية، حيث لا يتمكن أكثر من مليوني طفل يمني من الذهاب إلى المدارس، وتم تدمير أو إعادة استخدام حوالي 3000 مدرسة لأغراض عسكري"
عيبان لديه الكثير من الأحلام كغيره من الأطفال ، منها مواصلة تعليمه والوصول الى التعليم الجامعي، لكن وضعه المعيشي يجعله عاجزا عن تحقيق حلمه مثل الآلاف أطفال اليمن، وهنا تقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في تقرير لها منتصف العام ، "إن نحو ستة ملايين طفل في اليمن على بعد خطوة واحدة فقط من المجاعة"، مؤكدة حاجتهم الماسة إلى دعم عاجل، "وبحسب تقرير للمنظمة في أواخر آذار/مارس، فإن أكثر من 11 مليون طفل في اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية، من بينهم 2.2 مليون يعانون من سوء التغذية الحاد
ووفقاً لبيانات كتلة التعليم، يوجد أكثر من مليونين و661 ألف طفل يمني في سن التعليم خارج المدارس، بينهم مليون و410 آلاف فتاة ومليون و251 ألف من الذكور، هذه النسبة تشكل ما يقرب ربع عدد الأطفال اليمنيين في سن التعليم والمقدر بـ 10,8 ملايين طفل. أي أن طفلا من كل أربعة أطفال في اليمن خارج المدرسة.
عيبان قصة طفل يمني شردته الحرب وأجبرته الظروف المعيشية على العمل الشاق، وانت تقترب منه أكثر وتنظر الى تفاصيل وجهه المتعب ويديه التي تمتلأ بأشواك التين، لكنه يحاول ابداء جسارته وقوته أمام الظروف الشاقة التي يواجهها كل يوم ،تقول نيكو جعفرنيا، باحثة اليمن والبحرين في هيومن رايتس ووتش: "أطفال اليمن هم مستقبل البلاد، ومع ذلك ترتكب جميع أطراف النزاع انتهاكات واسعة ضدهم. يجب أن يتضمن أي اتفاق سلام حماية الأطفال والمساءلة عن الانتهاكات العديدة ضدهم في السنوات التسع الماضية".
ومع انتهاء موسم بيع التين الشوكي يحاول عيبان البحث عن عمل في بيع نوع اخر من الفاكهة فالحياة لا تتوقف والحاجة لمصاريف يومية لإخوانه وأمه حسب تعبير عيبان، اصرار وصبر من طفل صغير قذفته الظروف الشاقة إلى الشارع ..
ومع الأحداث والأوجاع التي تعيشها كثير من الأسر اليمنية، فإنهم يفضلون ان يذهب أبنائهم للعمل، هربا من الاستقطابات والتجنيد الإجباري الذي تعرض له أطفال في محافظات الجمهورية منذ اندلاع الحرب وقتل واصيب العشرات منهم، وما زال الآلاف الأطفال يعانون اضطرابات وصدمات نفسية مع عدم وجود مراكز تأهيل تعيد دمجهم في المجتمع الامر الذي تسبب بانتشار حالات العنف بين الأطفال، وكان قد وثق تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2022 بشأن الأطفال والصراعات المسلحة 1,596 انتهاكًا جسيمًا ضد الأطفال في اليمن، بما في ذلك تجنيد الأطفال وقتلهم وتشويههم، والعنف الجنسي، والخطف، والهجمات على المدارس والمستشفيات، ومنع وصول المساعدات الإنسانية.
وتبقى الطفولة في اليمن عنوان لألم جيلٍ أنهكته آلة الحرب وشردته وجعلته في مهب الريح وصغيرنا عيبان الجرادي احدى صور الطفولة في اليمن التي تزداد معاناتها كلما غابت الحلول الحقيقية المؤدية لسلام عادل يعيد للأطفال حقوقهم ويضمن لهم حياة كريمة بعيدا عن الحرمان من التعليم والصحة والعيش الكريم.
وبين قسوة المجتمع وغياب الدولة، يظل الأطفال ضحايا ذلك الواقع الذي يحول بينهم وبين تحقيق العدالة، ويفتح أبواباً مشرعةً للمجرمين للإستمرار في ممارسة جرائمهم، ويظل مستقبل الأجيال النازحة محفوفاً بالمخاطر والغموض.