الابتزاز الرقمي والجرائم الالكترونية في اليمن
محمد عبدربه ناصر – ناشط حقوقي
تمهيد
صاحب التطور الكبير في وسائل الاتصال الحديثة والزيادة المطردة في استخدام شبكة الإنترنت زيادة كبيرة في الجرائم التي ترتكب باستخدام هذه الشبكة. وقد أثارت الجرائم المعلوماتية العديد من الإشكالات بالنسبة للقائمين على مكافحتها، ويرجع ذلك إلى أن القوانين العقابية وقوانين الإجراءات الجنائية التقليدية تبسط حمايتها على الأشياء المادية الملموسة، أما بالنسبة للمعلومات والأشياء المعنوية الأخرى المرتبطة بها فلم تمتد إليها الحماية إلا حديثاً. كما أن كشف هذا النوع من الجرائم وإثباتها ليس بالشيء الهين، خاصةً أنها ليس لها أثر مادي من جهة، وضعف الخبرة التقنية لدي جهات التحقيق في مثل هذا النوع من الجرائم، وضعف التعاون الدولي في مكافحة هذه الجريمة من جهة أخرى.
وتعد جريمة الابتزاز الالكتروني أحد أشكال الجريمة الالكترونية التي تشكل آفة من آفات العصر، التي أفرزها التطور الهائل في تقنية المعلومات، والتي تؤرق كافة مستخدمي التكنولوجيا، إذ أنه وبالرغم من أن هذه الوسائل لها من الفوائد ما لا يعد ولا يحصي، فإن لها من الآثار السلبية الذي يستدعي أن يتداعى أهل الاختصاص وبخاصة في المجال القانوني لمحاصرتها سواء بالوقاية من الوقوع في مثل هذه الجرائم، أم العمل على رصد هذه الجريمة ومكافحتها، أم تأهيل من وقع في هذه الجريمة من خلال برامج التأهيل في الجهات المختصة بذلك[1]
تعتبر جرائم الإبتزاز الإلكتروني جرائم ذكية تنشأ وتحدث في بيئة إلكترونية رقمية، يقترفها أشخاص مرتفعي الذكاء ويمتلكون أدوات المعرفة التقنية، وقد يقترفها اشخاص محدودي الذكاء متى ما تحصلوا على بيانات او صور لمستخدمي الحواسيب والهواتف الذكية، ثم يقومون بابتزاز الضحايا الأمر الذي يؤدي الى خسائر ليست بالهينة لأفراد المجتمع بما فيهم الأطفال والنساء، لاسيما في مجتمعات تقليدية تقوم بتقديس العادات والتقاليد المجتمعية كالمجتمع اليمني، إذ يفضل الضحايا الصمت المطبق عن ما يتعرضون له خوفا من ثقافة العيب والعار، ولتصبح حياتهم في خطر.
تعريف الابتزاز الالكتروني
لقد استعمل العلماء لفظ الابتزاز في كتاباتهم قديمًا وحديثًا، ولم يكن هذا المصطلح يختلف في معناه القديم عن معناه المعاصر، فجميعها تهدف إلى مفهوم واحد، ألا وهو الحصول على الأموال أو معلومات سرية؛ من أجل استغلالها الأغراض مالية أو القيام بأعمال غير مشروعة، وذلك تحت تهديد إفشاء سر مشين صحيح كان أو كاذب.
تعريف جريمة الابتزاز في اللغة: مأخوذ من الثلاثي بزز، يقال بز الشيء يبزه بزاً، أي اغتصبه، والبز السلب [2] وابتززت الشيء: استلبته، ومنه المثل: من عزَّ بز، أي من غلب سلب، ويعني الحصول على المال أو المنافع من شخص تحت التهديد بفضح بعض أسراره، أو غير ذلك. أما المعني الاصطلاحي فقد وردت كلمة ابتزاز في معان متعددة منها:
ويلاحظ من هذه التعاريف السابقة أن الابتزاز الإلكتروني يتخذ فيه التهديد مضمون مختلف وأغراض شتى، ذلك المضمون وتلك الغاية قد تكون محددة، فنكون أمام مفهوم ضيق له، و يعني ذلك المفهوم الضيق للابتزاز أن فعل الابتزاز لا يقع إلا بشرط أن يأخذ التهديد مضمونًا معينًا كالعنف، أو إفشاء أمور مخلة بالشرف أو الاعتبار، وأن يستهدف ذلك الفعل غرضًا محددًا هو الحصول علي مال، أو سندات، أو توقيع، أو القيام بفعل، أو الامتناع عنه، ومن ثم فالابتزاز يقع بتحديد المحل أو الغرض أو كليهما معًا أو قد يكون مضمون ذلك التهديد والغرض منه غير مقترن بغاية معينة فنكون أمام التعريف الواسع للابتزاز وهنا يمكن تعريف الابتزاز من ذلك المفهوم علي أنه: " محاولة الحصول علي شيء من شخص ما عن طريق التهديد بالكلمات أو الايماءات أو الاتهام بشيء ما أو عن طريق العنف أو التخويف للحصول علي أي شيء ذي قيمة، ومفهوم "شيء ذي قيمة هنا لا يشمل المال والممتلكات فقط، وانما يشمل أيضا الأمور المعنوية.
واستخلاصا مما سبق.. يمكننا تعريف جريمة الابتزاز الالكتروني على أنها اسلوب من أساليب الضغط والإكراه على المجني عليه يمارسه الجاني لتحقيق مقاصده الإجرامية، وإلا سيقوم بنشر المعلومات التي يحتفظ بها على الملأ، فيجد المجني عليه نفسه مرغمًا على تنفيذ تهديدات الجاني كما يصبح مسلوب الإرادة والحرية تفاديًا للتشهير والفضيحة. [3]
الخصائص التي تتعلق بكيفية ارتكاب جريمة الابتزاز الالكتروني
اولا – خطورة جريمة الابتزاز الالكتروني
تتعاظم خطورة جريمة الابتزاز الالكتروني يوما بعد يوم كونها تمس الانسان في سمعته وفكره وحياته الخاصة وماله، كما تمس المؤسسات في اقتصادها وسمعتها ايضا ناهيك عن خطورتها على البلدان من النواحي الامنية والسياسية والاقتصادية،
ثانيا – ضرورة استخدام الحاسب لارتكاب الجريمة
كما تقدم فإن جريمة الابتزاز الالكتروني هي جريمة تقع عن طريق الحاسب الالكتروني الحاسب الآلي" أو أي جهاز يقوم مقامه وتكون له ذات الخصائص والاستخدامات، ومنها اليوم مثلا العديد من أجهزة الهاتف النقال "المحمول" التي باتت مزودة بالخدمات الالكترونية والمعلوماتية والتي تتيح لمستخدميها التمتع بالمزايا ذاتها الموجودة في الحاسوب
ثالثا – جريمة الابتزاز الالكتروني عابرة للحدود
لعل من أبرز الخصائص التي تميز جريمة الابتزاز الالكتروني انها جريمة متعدية الحدود، أي انها عابرة الحدود الدول، ومن ثم فهي تكتسب صفة الجريمة الدولية، فمجتمع التقنية المعلوماتية " الالكترونية" لا يعترف بالحدود الجغرافية ولا يتقيد بها فهو مجتمع منفتح عبر الزمان والمكان دون ان يخضع للجانب التقليدي في الحراسة الدولية "حرس الحدود"،
رابعا – جريمة الابتزاز الالكتروني، جريمة هادئة ويصعب اكتشافها
يمكن القول أن جريمة الابتزاز الالكتروني، جريمة هادئة ناعمة"، كونها لا تتطلب العنف أو السلاح أو الاصطدام مع رجال الأمن، وإنما هي ارقام وبيانات تتغير أو تمحى من السجلات المخزونة في ذاكرة الحواسيب الالكترونية والهواتف الذكية ومن غير اليسير اكتشاف هذه الجريمة.
خامسا – صعوبة إثبات جريمة الابتزاز الالكتروني
يترتب على الخصائص المتقدمة المتعلقة بدولية هذه الجريمة وصعوبة اكتشافها وهدوئها ان هذه الجريمة يصعب إثباتها، وهذه الصعوبة راجعة إلى عدد من الأسباب منها أنها جريمة لا تترك أثرها مادیا ملموسا فضلا عن وقوعها في الأغلب من قبل مجرمين محترفين، بالإضافة الى نقص الخبرة لدى اجهزة الضبط القضائي واجهزة القضاء.[4]
سادساً – صعوبة الإبلاغ عن جريمة الابتزاز الالكتروني
يعتبر الابتزاز الالكتروني من الجرائم الخطيرة والتي يصعب الإبلاغ عنها في المجتمع اليمني، لاسيما من قبل النساء والأطفال خوفاً من وصمة العيب والعار والوضع الاجتماعي القائم على تقديس العادات والتقاليد.
اثار ومخاطر الابتزاز الإلكتروني
يترتب على الابتزاز الإلكتروني ارتفاع تكلفة الخسائر المادية، والاقتصادية خاصًة بما يتعلق بالشركات؛ مما يؤثر على الأسهم والفائدة المالية المُكتسبة والبنية التحتية للمنشأة المالية والاقتصادية، وحدوث خلل واضح في أمن المجتمع وانعدام الثقة بين الأفراد؛ مما يؤدي إلى انهيار القيم والأخلاق في المجتمع، بالإضافة الى أن الابتزاز يؤدي الى حدوث تغيرات في أنماط الحياة اليومية للأشخاص، وترتفع حالة التوجس من استخدام التكنولوجيا، علاوة على التأثيرات النفسية والصحية للضحية والشعور بالخوف والقلق والتي في كثير من الأحيان تصل الى انتحار الضحية.
في الثاني من نوفمبر 2022، أطلقت الناشطة الإنسانية، سارة علوان، النار على نفسها، في محاولة للانتحار، بعد أن تعرضت للابتزاز والتهديد بنشر صورها، استمر لـ 8 أشهر، وسط خذلان الأجهزة الأمنية لها على الرغم من الكشف عن هوية المبتز وتقديم كافة الأدلة والإثباتات ضد المبتز، بحسب نشطاء، إلا أن الأمن لم يتفاعل مع القضية، بحسب نشطاء، وعن كيفية حصول المبتز على صور علوان، أفاد الناشط رامز المقطري، بأن إحدى قريبات المبتز سرقت ذاكرة تخزين (فلاش) خاصة بالضحية، ونسخت الصور، ومن ثم سلمتها للشخص الذي شرع في ابتزازها.
وبعد أقل من أسبوعين من حادثة الناشطة سارة علوان، أقدمت فتاة في إحدى مديريات محافظة تعز على الانتحار شنقا بعد تعرضها لعملية ابتزاز إلكتروني. وذكرت صحيفة الشارع في 14 نوفمبر الجاري، أن الفتاة تعرضت لعملية ابتزاز إلكتروني من قبل شاب يدعى "ع. غ"، بعد أن أضاعت صديقة لها ذاكرة تلفونها في القرية[5].
جريمة الابتزاز الالكتروني في الاتفاقيات الدولية [6]
اولا: القرار الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة هافانا 1990 بشأن الجرائم ذات الصلة بالكمبيوتر: يعد هذا القرار من الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة حيث عقد هذا المؤتمر في هافانا سنة 1990 وقد حث في قراره المتعلق بالجرائم ذات الصلة بالكمبيوتر الدول الأعضاء أن تكثف جهودها لمكافحة إساءة استعمال هذا الجهاز وبتجريم تلك الأفعال جنائيا.
كما حث أيضا الدول الأعضاء على مضاعفة الأنشطة التي تبذلها على الصعيد الدولي من أجل مكافحة الجرائم المتصلة بالحاسوب بما في ذلك دخولها كأطراف في المعاهدات المتعلقة بتسليم المجرمين وتبادل المساعدة في المسائل الخاصة المرتبطة بهذه الجريمة
ثانيا: مقررات وتوصيات المؤتمر الخامس عشر للجمعية الدولية لقانون العقوبات بشأن جرائم الكمبيوتر البرازيل 1994: تنص قرارات المؤتمر على الأفعال المجرمة المرتبطة بالكمبيوتر والمعلومات كالاحتيال والغش وإتلاف ومحو المعطيات، وأيضا ما يعرف بالتزوير المعلوماتي ويشمل إتلاف ومحو البرامج و البيانات و تعطيل وظائف الكمبيوتر و نظام الاتصالات (الشبكات)، أو الدخول غير المصرح به عن طريق انتهاك إجراءات الأمن.
ثالثا: اتفاقية بودابست لمقاومة جرائم المعلوماتية والاتصالات 2001: إدراكا من الدول بمدى خطورة الجريمة المعلوماتية بوصفها جريمة عابرة للحدود فقد تم التوقيع عليها من طرف ثلاثون دولة في العاصمة المجرية، و جاءت هذه الاتفاقية لتعالج إشكالية دولية الجريمة الالكترونية و تجاوزها للحدود الدولية بما يساعد الدول على مكافحة هذه الجريمة و تعقب مرتكبيها و المساعدة على الاستدلال عليهم و ضبطهم كما تحدد أفضل الطرق الواجب إتباعها في التحقيق في جرائم الانترنت التي تعهد الدول الموقعة بالتعاون الوثيق من أجل محاربتها ، كما فصلت الاتفاقية النصوص الجنائية الموضوعية للجريمة و أنواعها كما تشمل جوانب عديدة من جرائم الانترنت.
جريمة الابتزاز في التشريع الوطني اليمني
لم يصدر حتى الان في اليمن اي قانون ينظم الجرائم الإلكترونية ومن ضمنها جرائم الإبتزاز الإلكتروني وذلك لإعتبارات عديدة من أهمها الفراغ التشريعي في اليمن الناتج بسبب الحرب منذ سنوات، وتوقف المجلس التشريعي من انعقاد جلساته ادى الى عدم إقرار قانون تقنية المعلومات وغيره من القوانين. لذلك يتم معاقبة المتهمين في هذه الجرائم عن طريق القياس بالجرائم المماثلة في القانون رقم 12 لسنة 1994م بشأن الجرائم والعقوبات اليمني الذي تحتوي نصوصه مواد تجرِّم الابتزاز منها المواد (256، 257)، التي تجرِّم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، والتهديد بإذاعة الأسرار الخاصة، بالإضافة الى تجريم الابتزاز والعقوبة المقررة لهذه الجريمة في المادة (313) من ذات القانون. [7]
وتنص المادة (256) بأن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنه أو بالغرامة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة وذلك بأن أرتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضاء المجني عليه:
فإذا صدرت الأفعال المشار إليها في الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع على مسمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضاً. ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتماد على سلطة وظيفته. ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عنها أو إعدامها.[8]
كما أن المادة (257) من قانون العقوبات تنص على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة كل من أذاع أو سهل إذاعة أو أستعمل ولو في غير علانية تسجيلاً أو مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة بالمادة السابقة أو كان ذلك بغير رضاء صاحب الشأن ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم الحصول عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات الموظف العام الذي يرتكب أحد الأفعال المبينة بهذه المادة اعتمادا على سلطة وظيفته.
ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة وغيرها مما يكون قد استخدم في الجريمة أو تحصل منها كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة عن الجريمة أو إعدامها".
وفيما يخص جريمة الإبتزاز فقد نصت المادة (313) بإن "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات أو بالغرامة كل من يبعث قصداً في نفس شخص الخوف من الإضرار به أو بأي شخص آخر يهمه أمره ويحمله بذلك وبسوء قصد على أن يسلمه أو يسلم أي شخص آخر أي مال أو سند قانوني أو أي شئ يوقع عليه بإمضاء أو ختم يمكن تحويله إلى سند قانوني". [9]
التوصيات
المراجع:
[1] د. ريهام عاطف معروف الإبتزاز الالكتروني : دراسة حول الابتزاز الالكتروني نشر في مجلة روح القوانين - كلية الحقوق جامعة طنطا عدد خاص - المؤتمر العلمى الدولى الثامن - التكنولوجيا والقانون
[2] بن منظور، لسان العرب مادة بزّ ، الجزء الأول ، دار المعارف، ص ٢٧٥.
[3] د. ريهام عاطف معروف الإبتزاز الالكتروني : دراسة حول الابتزاز الالكتروني نشر في مجلة روح القوانين - كلية الحقوق جامعة طنطا عدد خاص - المؤتمر العلمى الدولى الثامن - التكنولوجيا والقانون
[4] د . نور السعيد بحث بعنوان الابتزاز الالكتروني – مجلة جامعة دهوك، المجلد 26 ، العدد 1 العلوم الانسانية والاجتماعية)، ص 44-56 2023 (عدد (خاص)
[5] الابتزاز الإلكتروني في اليمن... الظاهرة والحل تقرير لمنظمة سام 2022
[6] بحث للباحث ليندا شرا بشه حول السياسة الدولية و الإقليمية في مجال مكافحة الجريمة الالكترونية والاتجاهات الدولية في مكافحة الجريمة الالكترونية.
[7] بحث بعنوان التصنيف القانوني لجرائم الابتزاز الالكتروني للقاضي انيس جمعان محامي عام اول في النيابة العامة عدن اليمن.
[8] قانون العقوبات اليمني رقم 12 الصادر عام 1994 المادة 256
[9] المرجع السابق المادة 257