رحلة المعاناة بحثاً عن السكن والمأوى
الدكتور: يحيى أحمد الأحمدي – أكاديمي وباحث سياسي
إن أعظم المآسي قهراً أن يُجبر المرء على ترك مسكنه، وممتلكاته، وتغيير شكل حياته؛ ليبدأ رحلة المعاناة بحثاً عن السكن والمأوى، ومواجهة تحديات ممتدة بامتداد المخيمات الموزعة هنا على أطراف مدينة مارب وعدد من محافظات اليمن. فمنذ بدء النزاع في اليمن، كانت النتيجة مأساوية، حيث أجبرت جماعة الحوثي مئات الآلاف من اليمنيين على النزوح، وحشروا ضمن مساحات صغيرة تفتقد لأبسط مقومات الحياة.
وحينما نتحدث عن النازحين فإننا نتحدث عن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي تدخل عامها الثامن؛ مأساة خلفتها الحرب الحوثية على اليمنيين، فأحالت حياتهم إلى جحيم، و ثمان سنوات من عمر الكارثة أرهقت النازحين، وفتكت بهم قسوة الطبيعة، شيوخ ونساء وأطفال تلوحت وجوههم بحرارة الشمس، وبرزت تجاعيد الزمن على جباههم، ومن نجا منهم من قذائف الموت، لن يكون في مأمن من كوارث الأمطار والسيول، المتجددة كل عام، وما يترتب على ذلك من أعباء يدفع ثمنها هؤلاء الضحايا المنسيون.
تقول الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الوحدة التنفيذية للنازحين: إن اليمن شهدت موجة نزوح تقدر بما يزيد عن ثلاثة ملايين نازح في المحافظات المحررة معظمهم يتركزون في محافظة مأرب، وبنسبة تزيد عن 73 %. وقد احتلت محافظة مأرب المرتبة الأولى في استقبال النازحين، حيث يوجد فيها 2 مليون و274 ألفا و453 نازحا وبنسبة 73.67% من إجمالي النازحين في المحافظات المحررة ([1]).
لماذا مأرب؟
كانت محافظة مأرب تقع في صدارة المحافظات استيعاباً للنزوح، وأنا واحد من أولئك وجزء من المعاناة وشاهد عيان على تفاصيل المأساة، فإني سأسلط الضوء على جانب مما رأيته وما شاهدته بأم عيني وعشته بأحاسيسي ومشاعري، وسمعت عنه من ضحايا النزوح، وسأفرد لكل جانب قسطاً من الحديث.
نتحدث هنا عن مأرب التي كان عليها أن تصبح ملاذاً أخيرا للنازحين لتجد نفسها فجأة مدينة كبيرة عاجزة عن استيعاب موجات النزوح التي لم تتوقف، وفي الوقت ذاته هي معنية بتوفير احتياجات مئات الآلاف من النازحين الذين شكلوا طفرة سكانية غير متوقعة، حيث تشير آخر إحصائيات السلطة المحلية إلى أن ما يقارب من 3 ملايين نازح يقيمون حاليا في المركز الإداري لمحافظة غدت واحدة من أكبر المحافظات كثافة سكانية في ظل أوضاع إنسانية صعبة وظروف معيشية بالغة التعقيد، وغياب الدور الحقيقي المنوط بالمنظمات التي تنعت مجازا بالإنسانية.
تحدي الكوارث الطبيعية
مشردون في أوطانهم يتوزعون على أكثر من197 مخيما على أطراف مدينة مارب، يعيشون أوضاعا إنسانية صعبة، ويفترش بعضهم الأرض ويلتحفون السماء، في مخيمات تفتقد أبسط مقومات العيش وتفتقر لأدنى قوانين الترتيب والانضباط ما يجعل تلك المخيمات لقمة سائغة لغضب الطبيعة، وفعل كوارث سيول الأمطار المتجددة كل عام، وما يترتب على ذلك من أعباء يدفع ثمنها النازحون وما يترتب على ذلك من شحة إمكانياتٍ تتجلّى في ضعف الحصول على الخدمات الأساسية، أو الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية.
"تزداد معاناة النازحين بتزايد أعدادهم، وتتسع دائرة المخاطر باتساع نطاق المخيمات، وتتعاظم التحديات يوماً بعد آخر"
حتى بات مشهد السيول الجارفة مسلسلاً سنوياً عنوانه الرعب، حيث شهدت السنوات الماضية كوارث طبيعية حينما اجتاحت المياه المتدفقة المخيمات في محافظة مأرب، مخلّفة أضرارًا كارثيةً، ثم يتكرر المشهد كل عام ويتعاظم بتعاظم أرقام النزوح في ظل غياب الحلول الممكنة.
ففي محافظة مأرب التي تشهد موجات من أعداد النازحين الذين يتوزعون على أطراف المدينة، اتخذت بعض المخيمات مواقع قريبة من مجاري السيول، وأخرى في مناطق صحراوية مكشوفة، وفي هذه المساحات يسكن النازحون في مساكن هشة لا تقي حر صيف ولا برد شتاء، تزداد حالتها سوءاً مع دخول موسم الأمطار الذي يجلب أيضاً رياحاً وعواصف ترابية.
وأمام مشهد كهذا، فإن الأرواح والخيام والممتلكات كانت ولا تزال صيداً سهلاً للرياح والسيول التي تجرفها بما فيها من مستلزمات الإيواء، لتتحول تلك التجمعات بعد ذلك إلى ملتقى تدفق مياه الأمطار، وصارت ساحاتها مستنقعات موبوءة بالجراثيم، فيما تضررت خزانات المياه وشبكات الصرف الصحي، وفقدت الأسر المتضررة ما حملت معها من مقتنيات شخصية.
لقد وجد النازحون أنفسهم أمام مأساة مركبة بعد أن جردتهم سيول الأمطار من الخيام والحقائب الإيوائية وفقدان المياه الصالحة للشرب، وانعدام الغذاء، وأصبحوا في مهمة جديدة تتمثل في صيانة شبكات الصرف الصحي، وتوفير أدوات نظافة فضلاً عن خزانات مياه، ومواجهة شبح الخوف من هطول الأمطار مجدداً، والوقوع أمام مستقبل مجهول ينعكس على حياة ملايين اليمنيين.
وعلى إثر ذلك تبدو الجهود الحكومية عاجزة عن فعل شيء يحول دون تكرار المآسي، ومع ما تمثل رسائل الجهات المعنية من نوافذ الأمل وعوامل اطمئنان كهذه الجهود التي تبذلها المنظمات الحكومية والمبادرات الشبابية، غير أنها تظل محدودة وإن استطاعت أن ترفع الصوت وتذكر بالمنسيين وسط هذه العتمة وشحة الإمكانيات وغياب الاهتمام الذاتي والمجتمعي. ومن هذه الجهود التي تواجه وضعاً يصعب وصفه وبات موسمياً كل عام، ما تقوم به الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمحافظة مأرب التي وجهت نداءً إنسانياً لمساعدة المنكوبين في مخيمات النزوح من الأمطار والسيول والرياح التي شهدتها المحافظة خلال الموسم الماضي وتسببت في تضرر أكثر من 18 ألفا و729 أسرة في 197 مخيما وموقعا للنازحين منها 5974 أسرة تضررت كليا ووفاة 11 شخصاً، منهم 9 حالات وفاة بالسيول وحالتان بالصواعق الرعدية.
ومن خلال تقريرها يتبين حجم المأساة في عدد الأسر المنكوبة على مستوى كل قطاع، ففي قطاع المأوى والمواد غير الغذائية لا يزال الاحتياج لعدد 4413 خيمة إيواء مؤقتة و10669 حقيبة إيواء و14485 أغطية بلاستيكية (طرابيل) بمعدل اثنين لكل أسرة، وفي قطاع الأمن الغذائي وتحسين سبل العيش لا يزال الاحتياج لعدد 9950 سلة غذائية ونقد مقابل الغذاء. وفي مجال المياه والإصحاح البيئي ما يزال الاحتياج لعدد 9238 أسرة موزعة بين احتياجات مياه وخزانات أسرية وحقائب نظافة وحمامات صرف صحي، فيما لايزال الاحتياج في قطاع الحماية لمساعدة 4061 أسرة منكوبة موزعة بين مساعدات نقدية ودعم قانوني ودعم نفسي وحقائب كرامة.([2])
ولا تقتصر المعاناة على هطول الأمطار والسيول، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، إنما تبدأ المأساة بموسم آخر أشد قسوة؛ إنها مخاطر الشتاء وموسم البرد القارس الذي يستكمل فترته المستمرة لأشهر، ويمضي بقسوته التي لا ترحم في مخيمات متهالكة، تفتقد لأبسط مقومات الإيواء، إنها مجرد بقايا ما خلفته الأمطار والسيول والرياح العاتية، بقايا قطع الأقمشة، وأكياس البلاستيك أبوابًا لها، لا تقي البرد، ولا يمكنها أن تحافظ على الأطفال من قساوته. موسم لا بد منه، لا يمضي حتى يترك غُصة في النفوس، حين يتذكر النازحون أنه خطف ارواحاً بريئة من الأطفال الذين لم يقووا على تحمل البرد الذي بات عدوًا لدودًا لهم.
حينما تتجول بين أحد المخيمات تكون حيرتك حينما تسال من أين تبدأ فصول المعاناة؟ وقصص الأحزان؟
مخيمات أنهكها الزمن، يكافح سكانها من أجل البقاء في صراعهم المستمر غير المتكافئ مع الشتاء ما جعلهم يعيشون أقصى ما يمكن تصوره من حالة الجوع والتعب والبرد القارس.
من جهتها أشارت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمأرب (جهة حكومية) في تقرير لها إلى أن ثلاثة أطفال توفوا بسبب البرد في مخيم صحراء النقيعاء، فيما أصيب 12602 نازح بينهم أطفال ونساء خلال موسم البرد في الشتاء الفائت. و أشارت في بيانها إلى أن مئات الآلاف من النازحين في المحافظة يواجهون شتاء قاسيًا ومأوى مدمرًا، في ظل انعدام شبه تام للمواد والمستلزمات الأساسية للتدفئة، وأكدت في تقريرها أن "98% من المخيمات والمواقع والتجمعات في المحافظة، والبالغ عددها 197 موقعًا وتجمعًا يسكن قرابة 55،991 أسرة نازحة ومشردة، تعاني من تأثيرات البرد، ناهيك عن النازحين من عشرات الآلاف من الأسر التي تسكن خارج المخيمات في الأحواش والمزارع والبيوت المهجورة و(الكونتيرات) والشبكيات المغطاة بالأغطية القماشية والطرابيل.
ودعت في بيانها "وكالات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني وعلى رأسها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وجميع الشركاء، إلى التدخل السريع والطارئ بإغاثة ومساعدة الأسر النازحة في المخيمات، وإلى ضرورة توفير مساعدات عاجلة لهذه الأسر والتخفيف من معاناتها".([3])
فالنازحون بأمس الحاجة إلى تأمين النقص الحاد في مستلزمات الحياة الأساسية؛ ناهيك عن المشكلات الاجتماعية والصحية والنفسية التي يعانون منها والتي سيكون لها العديد من التداعيات السلبية على حاضرهم ومستقبلهم. وعلاوة على حاجة النازحين إلى تأمين النقص الحاد في مستلزمات الحياة الأساسية؛ وهشاشة المسكن والمأوى فإن ثمة مشكلات أخرى، وحرمان آخر ومعاناة في المجالات الاجتماعية والتعليمية والصحية، فجميعها تمثل أهمية كبيرة، لا يقتصر تأثيرها على المرحلة الحالية وحسب، وإنما تمتد المعاناة، والتداعيات السلبية وتنعكس على حاضر النازحين ومستقبلهم.
أطفال خارج التعليم
تقوم العملية التعليمية على أركان وأسس فإذا اختل ركن أو أساس، انعكس على سير العملية برمتها، فكيف لو أن الأركان اختتلت جميعها، وهذا الحال ينطبق على مخيمات النزوح وتجمعات الشتات حيث لا مُعلم ولا مقعد ولا طالب مهيأ للدراسة. وحينما تغيب كل هذه فإن معاناة كبيرة يعيشها النازحون في مواصلة تعليمهم، ولعل ماساة حرمان التعليم التي تسببت بها الحرب الدائرة رحاها منذ قرابة الثمان سنوات في اليمن، تقف خلف موجات نزوح مئات الآلاف من الأسر من مناطق الصراع إلى مناطق آمنة نائية حطت فيها رحالها، بأجسادٌ مثقلة بهموم حياةٍ أشد صعوبة تبدأ فصولها بالحرمان من كل متطلبات الحياة، بما فيها حق التعليم.
يمكننا فهم جانب من تلك المعاناة فيما ذكرته الوحدة التنفيذية للنازحين، في مؤشرات التعليم وتقييم وضع التعليم في مخيمات النزوح، ضمن دراسة متعددة القطاعات عن النازحين في اليمن، الصادرة في 12 يناير 2022، أن عدد الأطفال في سن التعليم 491.600 طفل، منهم 246.499 ذكورا، و245101 إناثا. وبينت نتائج المسوحات أن عدد الطلاب النازحين في المنازل وغير الملتحقين بالتعليم، 67.204 طالب وطالبة، وبنسبة 18% من إجمالي الأطفال النازحين في المنازل، فيما بلغ عدد الأطفال غير الملتحقين في التعليم بالمخيمات، 47.237 طفلاً بنسبة 42% من إجمالي الأطفال في المخيمات. وأضافت أن 30% من المخيمات لا يتوفر فيها تعليم للأطفال، بينما 40% منها التعليم فيها بمستوى ضعيف جدًا.
وأوضحت أن 2253 طفلًا في المخيمات في سن التعليم ومحرومون من الالتحاق بالتعليم، بسبب أن المدارس مدمرة نتيجة الحرب، و1783 طفلًا في المخيمات غير ملتحقين بالتعليم، بسبب عدم توافر فصول إضافية في المخيم، و431 مخيمًا، بنسبة 86% من إجمالي عدد المخيمات، لا توجد فيها مدرسة، مشيرة إلى أن 33% من المخيمات لا تتواجد مدارس في مناطق قريبة منها. [4]
وفي تقرير الاحتياجات السنوي الصادر عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في اليمن (جهة حكومية)، المعني بالاحتياجات الإنسانية للأسر النازحة تحت عنوان "الاحتياجات الإنسانية للنازحين 2023" ذكر التقرير أن 39 ألف طفل محرومون من التعليم، وأظهرت النتائج أن 39493 طفلاً في المخيمات في سن المدرسة محرومون من الالتحاق بالتعليم. وطالب التقرير بإيجاد آلية لمساعدة الحالات المستضعفة وخاصة النازحات في المخيمات والمنازل، و بإيجاد آلية لمساعدة الأسر النازحة التي يرأسها أطفال، حيث أظهرت النتائج أن عدد الأسر التي يرأسها أطفال هو 9،305 أسرة، منها 7،474 أسرة يعولها طفل (ذكور) و1،831 أسرة يعولها طفل (أنثى).([5])
هذا هو الحال لدى النازحين في مأرب التي تحتل الصدارة في أعداد النازحين والمخيمات والنصيب الأكبر من كل تلك الظروف القاتلة التي تسببت بحرمان آلاف الأطفال من الدراسة بعد ترك مدارسهم، وفروا بجلودهم ليستقروا في الصحاري والأودية والجبال بحثاً عن مكان آمن وإن فقد كل مقومات الحياة.
وبطبيعة الحال فإن مخيمات مأرب لم تكن استثناء، وإن شهدت بعض المحاولات حيث تم تخصيص مجموعة من الخيام كفصول دراسية، في المخيم، لكنها بدون سبورة أو كراسي، إذ يضطر الأطفال إلى افتراش أرضية المخيم المتربة عند تلقي الحصص الدراسية القليلة. ورغم أن تلك الخيام تعد بمثابة مدرسة مؤقتة، لكنها تعاني نقص المعلمين، كما يفتقر الطلاب فيها للكتب والمستلزمات الضرورية. ليست مشكلة التعليم، هي وحدها ما يواجهها النازحون في مخيمات مارب وبقية المخيمات الأخرى؛ فهناك مشكلات أخرى لا تقل أهمية عنها سنتناولها أدناه.
تدهور الوضع الصحي
ولما كان القطاع الطبي هو الأهم والأكثر ضرورة، ونظرا لانتشار الأمراض الفتاكة والمعدية في ظل غياب الخدمات الصحية وشحة الأدوية والأجهزة الطبية، فإنه لا شيء يفصح عن حجم المأساة سوى الأجساد التي أرهقها التعب، وفتك بها قهر الطبيعة. أطفال على رصيف الضياع يتقاذفهم المجهول، وشيوخ يشكون غدر الزمن، ولا حصانة من الأمراض والاوبئة.
وتفتقر المدينة للمستشفيات وينعكس ذلك على مخيمات النازحين التي تفتقر هي الأخرى للعيادات الطبية والخدمات الأساسية الأخرى، وتغيب عن مخيمات الصحراء والمدينة دور المنظمات الصحية والإغاثية، من عيادات طبية متنقلة أو ثابتة أو سيارات إسعاف للحالات الطارئة.
تشخيص هذا الوضع والتحذير من خطورته جاء على لسان مدير مكتب الصحة بمأرب أحمد العبادي الذي أكد أن المستشفيات الحكومية تحتاج إلى دعم يتناسب مع تزايد عدد المترددين على هذه المستشفيات. مشيراً إلى أن عدد المترددين على مستشفى واحد يزيد عن 600 شخص، وفي المقابل هناك نقص في الكادر الطبي، وأوضح "العبادي"في حديثه لـ"المشاهد" أن تزايد عدد النازحين إلى محافظة مأرب، الذين وصل عددهم مع سكان المحافظة إلى ثلاثة ملايين نسمة، يتطلب زيادة في عدد المرافق الصحية والكادر الطبي ([6]).
فيما تقول وحدة إدارة النازحين بمأرب إن مخيمين اثنين فقط من أصل 194 يوجد فيها وحدات صحية ثابتة، بينما بقية المخيمات تفتقر للوحدات الصحية ولا تحصل على الدواء في وقته المناسب والسريع([7]).
وكان التقرير الصادر عن الوحدة التنفيذية قد دعا إلى العمل من خلال وزارة الصحة على تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية في المناطق التي يوجد فيها نازحون بحيث تتمكن من تقديم خدماتها، وكذلك على العمل من خلال وزارة الصحة والجهات المعنية للقضاء على مسببات انتقال الامراض المعدية، والعمل على توفير مراكز صحية في المخيمات مدعمة بكادر طبي([8]).
وفي تقرير للمنظمة الدولية للهجرة أشارت إلى أنها تستجيب في 39 ً موقعاً عبر عيادة ثابتة، ووحدة طبية، وخمسة فرق طبية متنقلة، حيث يقدمون مشورات طبية بمعدل 1700 مشورة في الأسبوع. ويغطي هذا جزءاً يسيراً فقط من مجمل الاحتياجات، ويتبقى أكثر من 35 ً موقعا أي 24 % من النازحين من دون إمكانية الحصول المستمر على الخدمات الصحية. وتقدر المنظمة الدولية للهجرة بأن 17 ً مرفقًا صحيا أساسيا وثانويا يتطلب دعما للخدمات الطبية المستمرة. وتشير المنظمة الدولية في تقريها إلى أن حوالي 70 % من النازحين في مأرب بحاجة إلى أنظمة موثوقة للمياه الآمنة، كما أن أكثر من 90 % من الواصلين حديثا يفتقرون إلى الحصول على قدر كافٍ من خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة ([9]).
هذه مجرد مشاهد من اليمن، ذلك البلد الذي كان يطلق عليه باليمن السعيد، لكنه بكل أسف لم يعد سعيداً بفعل الحرب التي شنها الحوثيون ثمان سنوات عقب انقلابهم على الشرعية اليمنية في أواخر العام 2014 وخلفوا وضعاً كارثياً في مختلف المجالات. وضع لو تمكن الشعب اليمني أن يتحدث أو أتيحت له الفرصة لتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى خيام عزاء وميادين احتجاج.
خلاصة موجزة حاولنا من خلالها أن نقدم صورة مصغرة عن دولة فقيرة ونائية اسمها اليمن زادها الانقلاب تراجعاً مخيفاً في مختلف المجالات وعزلها عن العالم، وفي ظل استمرار الانفلات الأمني وغياب الدولة وهيمنة الجماعات الانقلابية فإن الأرقام مرشحة للارتفاع والباب مفتوح لكافة الاحتمالات، وبين ذلك تبقى الفرصة متاحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وطن أثقلته المآسي، وقطعت أوصاله الحرب. حرب مفتوحة لا أفق لها تعصف بالبشر والحجر في معركة شاقة مع واقع أشد قسوة من ماضيه ووضع معيشي بالغ التعقيد، وظروف قاسية تتجدد تفاصيلهم كل عام تحت مسمع المجتمع الدولي وبصره الذي يبدي قلقه على استحياء ويتحدث عن جهود كبيرة ودعم سخي لكن لا وجود لتلك الجهود التي يتحدثون عنها.
تجمعات منسية لليمنيين تفتقد لأبسط مقومات الحياة، وخيام متهالكة لا تقي حر صيف أو برد شتاء، ولا تتمتع بحصانة من قذائف الموت التي تباغت سكانها في هجوع الليل الأخير فيخرجون بما تحمل أيديهم إلى نزوح جديد في رحلة محفوفة بالموت، تُرك النازحون فيها فريسة سهلة لعبث أفكار طائشة ترى في الإنسان اليمني مجرد ترف لا جدوى منه، أو سيئة يجب التخلص منها.
حضور متواضع للمنظمات وشواهد عدة توثق غياب الإنسانية عن مخيمات النازحين، ولا تزال تفاصيل المأساة متسلسلة، حيث لم تبرح عن الأذهان مشاهدها القاسية في مخيمات وتجمعات وثقت عدسات الكاميرا جانباً من حالات رعب خلفتها قذائف الموت فقد اختزلت حجم المأساة.
لقد تلاشت الإنسانية أمام صمت المجتمع الدولي ونفاقه تجاه القضايا الإنسانية، ومواقفه الهزيلة المتقاطعة مع مواقف النخب السياسية اليمنية التي تبدو وكأنها كانت في هذا البلد مجرد بعثات دبلوماسية فغادرته مستأثرة بما في يديها من أقوات المقهورين، واتخذت من سنوات الحرب نزهة وموسم ثراء وفترة نقاهة واستجمام.
قضايا كثيرة في العالم رافقت هذه الحرب أو زامنتها، لكنها انتهت بحلول جذرية، غير أن مأساة النازحين في اليمن لم تنتهِ، في ظل حرب مفتوحة، ونزوح مستمر، ويبقى الأمل في زوال كل مسببات النزوح وطي صفحة التمرد لتعود الدولة وتحتضن أبنائها، ويعود كل مواطن إلى مسكنه.
([1]) ملخص تقرير الاحتياجات الإنسانية للنازحين في اليمن الصادر عن الوحدة التنفيذية في تقريرها الذي أطلقته بعنوان "الاحتياجات الإنسانية للنازحين 2023" [AR] IOM Yemen Marib Response Update_August 2021.pdf
([2]) تقرير صادر عن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بتاريخ يوليو /أغسطس 2022
exuye-org-2023-02-07_22-02-05_381912.pdf
تقرير كارثة السيول والامطار والرياح - الاستجابة والاحتياج
([3]) الإنسانية العدد الثاني عشر الأربعاء 31/ديسمبر/2022 ص 8
https://www.exu-marib.com/19614/
([4]) الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين - دراسة متعددة القطاعات عن النازحين في اليمن، صُدرت بتاريخ 22 ديسمبر/كانون الأول 2021: https://www.exuye.org/cmlib/uploads/2022/01/exuye-org-2022-01-12_21-24-26_669029.pdf
([5]) ملخص تقرير الاحتياجات الإنسانية للنازحين في اليمن 2023 exuye-org-2023-02-07_22-02-05_381912.pdf
([6] ) https://www.alayyam.info/news/9BNOL4B7-P2Q638-DF99
([7]) https://aljanadpost.net/p-16028