الإغاثة المنسية في أنشطة الاستجابة الانسانية في اليمن

الإغاثة المنسية في أنشطة الاستجابة الانسانية في اليمن
الإغاثة المنسية في أنشطة الاستجابة الانسانية في اليمن

الإغاثة المنسية في أنشطة الاستجابة الانسانية في اليمن

نبيل أحمد الخضر – كاتب يمني

تعتبر اليمن بحسب الاحصاءات الدولية والخرائط الأممية دولة ذات تعداد سكاني يصل ما يقارب 32 مليون نسمة[1] وبمساحة تزيد عن نصف مليون كيلو متر مربع، وتعتبر اليمن من أفقر الدول في العالم بالرغم من الموارد الطبيعية التي تحتويها والثقافة الغير نمطية والمختلفة عن جميع ثقافات المنطقة وخصوصا في الجانب التاريخي والأسطوري وعلى مستوى العادات والتقاليد التي تعتبر ثروة ثقافية مهمة يمكن استثمارها لتصبح أهم مواردها الاقتصادية. 

وقبل الحرب في اليمن وعلى اليمن وفي الموضوع المتعلق بالثقافة والفنون والآداب وضمن مؤتمر الحوار الوطني عمل أعضاء الحوار على صناعة مرحلة من البناء التشريعي الجديد الذي يتوافق مع طبيعة مرحلة ثورة 2011م لتتم صياغة مجموعة من السياسات والتوصيات الوطنية بعامة وفي المجالات الثقافية والإبداعية بخاصة ضمن الوثيقة الختامية لمؤتمر الحوار الوطني وعلى مستوى الدستور المصاغ أيضا تتضمن مواد خاصة بالسينما والمسرح والإعلام والإبداع الفكري وحقوق الملكية الفكرية ومكتبات الطفل والإنتاج الفني والاهتمام بالتراث الشفهي والمكتوب والآثار والتطور المتحفي والسياحة الثقافية والصناعات الإبداعية.

وعلى مستوى التاريخ المدني والثقافي والإبداعي وارتباطه بالتمويل يعيب اليمن من ناحية الثقافة والسياسات الثقافية عدم الاهتمام بالتراث أو بالمنتج الثقافي أو بالتمويل الثقافي التي وصلت في آخر السنوات إلى أدنى مستوى لها في التاريخ وعلى مستوى العالم.

ومع بدء النزاع في اليمن أصبحت مساقات الثقافة والفنون والآداب تقريبا من الأدوات المنسية في العمل المجتمعي والمؤسسي والحكومي وعلى مستوى المنظمات المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة بالإضافة إلى القطاع الثقافي المستقل والمثقفين والمبدعين اليمنيين والفرق الشبابية الفنية والإبداعية والشركات العاملة في المجالات الفنية والثقافية والأدبية والابداعية مع قلة الدعم الحكومي من قبل الصناديق الثقافية التي كانت تدعم الجانب الثقافي في السابق بالإضافة إلى التوقف الخاص بالبيوت الثقافية في اليمن مثل مؤسسة  العفيف ومؤسسة النعمان والمؤسسة الثقافية التابعة لمجموعة عائلة هائل سعيد أنعم والتي إما قل نشاطها أو توقفت أو تدمرت بسبب القصف. 

والآن وبعد مرور أكثر من ثمان سنوات على الحرب يبدو أن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية قد عملت على العديد من القطاعات الانسانية في الجمهورية اليمنية وتناست تدخل مهم يعتبر من أولويات الاستجابة الانسانية في أي دولة تمر بصراع مشابه لما يحدث في اليمن وهو الاغاثة الثقافية والتي تعتبر من أنواع الإغاثة الانسانية المنسية في أنشطة الاستجابة الانسانية في اليمن.

وتهتم المنظمات المحلية والدولية بأنواع رئيسية من الاستجابة الإنسانية وعلى رأسها:

  1. الأمن الغذائي والزراعة: ويعتبر من أهم الانشطة التي تعتمدها الوكالات الأممية والمنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية المحلية في أي دولة تمر بمرحلة حروب، أو صراعات أو كوارث إنسانية أو طبيعية، وتعمل تلك المنظمات في تفاصيل أنشطة الأمن الغذائي والزراعة من قبيل الممارسات الجيدة لتوزيع الأغذية أو القسائم أو النقد المباشر للأسر المتضررة والنازحين واللاجئين والمجتمعات المضيفة.
  2. التغذية الصحية: وهي من الانشطة المهمة في العمل الانساني وخصوصا أنه في مرحلة الكوارث الطبيعية والحروب تزداد الأوبئة والمجاعات وسوء التغذية وبالتالي تعمل تلك المؤسسات على التخفيف من سوء التغذية في أوساط المجتمعات وتعزيز الطرق الجيدة لتوفير برامج التغذية للأطفال وطرق تقديم المكملات الغذائية وعلاج الأطفال المصابين بسوء التغذية ومراقبة تطور التغذية الصحية للمجتمعات المتضررة.
  3. الصحة: وهي ثالث التدخلات الرئيسية في العمل الإنساني وتتعلق بالكثير من الممارسات الصحية وعلى رأسها طرق شراء وتجهيز وتوفير الادوية والمستلزمات الطبية للمتضررين من الكارثة الطبيعية أو الحرب والعمل على بناء القدرات في مجال توفير الرعاية الصحية للفئات المعرضة للخطر من سوء التغذية أو انتشار الأوبئة بالإضافة إلى التدريب على الطوارئ الصحية في المجتمعات المتضررة.
  4. المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية: ويعمل هذا المساق الإنساني الأساسي على ضمان أن المجتمعات المتضررة من الكارثة الطبيعية أو الحروب يحصلون على مياه الشرب الامنة وخدمات الصرف الصحي المضمونة والعمل على توفير الوقود ومواد التعقيم وإصلاح أنظمة إمدادات المياه وأنظمة الصرف الصحي وتوفيرها وتشغيلها وتفعيلها وتفعيل حمامات الطوارئ للمجتمعات بالإضافة إلى تنفيذ حملات النظافة الطارئة والمتكررة.
  5. التعليم: وهو من أهم التدخلات الإنسانية التي تقوم بها المؤسسات الانسانية الدولية في أي مجتمع متضرر من كارثة طبيعية أو حروب داخلية عبر العديد من الممارسات والانشطة التي تؤثر إيجابيا في وضع التعليم في المجتمعات المتضررة وتحديدا في طرق توزيع المستلزمات والكتب ومواد النظافة والاثاث والتوريدات الخاصة بالمدارس بالإضافة إلى تفعيل المراكز الصديقة للطفل والتي تقدم الخدمات التعليمية والترفيهية والصحية الخاصة بالطفل والمساعدة على الحفاظ على الخدمات التعليمية مستمرة.
  6. المأوى وإدارة المواقع: وهو نشاط إنساني يكثر في المجتمعات المتضررة من الحروب والكوارث الطبيعية وخصوصا عند تواجد النازحين داخليا واللاجئين من بلد إلى آخر بحيث تعمل تلك المنظمات على توزيع مجموعات المأوى المنزلية والطارئة ومنح مستلزمات الشتاء وطرق تحديد الثغرات في إيصال الخدمات لتجمعات النازحين أو اللاجئين والطرق الفضلى لتقديم الاعانات والمنح النقدية لهم وطرق بناء وإعادة تأهيل المأوى الخاص بهم بما يضمن حمايتهم وخصوصيتهم وكرامتهم الانسانية.
  7. الحماية: وتحتاج بعض الفئات الإنسانية للحماية كجزء من التدخلات الإنسانية التي تقوم بها المنظمات في أي مجتمع متضرر، وعلى رأس تلك الفئات الأطفال والنساء وكبار السن والمعاقين والنازحين واللاجئين والأشخاص شديدي الضعف، وعلى رأس تلك الممارسات المتعلقة بالحماية تلك المتعلقة بحماية الاطفال من العنف والإساءة والاهمال والاستغلال الجسدي والجنسي ومشاركة الاطفال في النزاعات المسلحة، وحماية النساء من العنف القائم على النوع الاجتماعي والكثير من الممارسات التي تزيد من حماية الأشخاص شديدة الضعف في المجتمع المتضرر .

وهناك بعض التدخلات الغير مباشرة التي تقوم بها المنظمات المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة والتي لا ترتبط كثيرا بالعمل الانساني وإن كانت مساهمة في نجاح الاستجابة الإنسانية ومن ضمنها أنشطة آليات الاستجابة السريعة والإمداد، والتموين وخدمات الاتصالات والتنسيق.

إن التدخلات الإنسانية سابقة الذكر هي كل ما تعمل المنظمات المحلية والدولية عليه في اليمن دون اهتمام بالإغاثة الثقافية كشكل مهم من أشكال الاستجابة الإنسانية، والتي لها دور مهم للغاية في أي استجابة إنسانية في أي دولة من الدول التي مرت بالصراع مشابه للذي تعيشه اليمن في الوقت الحالي وفيما عدا بعض تدخلات اليونسكو البسيطة وبعض التدخلات الفنية والثقافية في المراكز الصديقة للأطفال يمكننا القول أن الاغاثة الثقافية لم يتم الاهتمام بها.

ويأتي هذا التجاهل والنسيان للإغاثة الثقافية بالرغم من ارتباطها بالكثير من الحقوق الإنسانية التي لا يجب تجاهلها حتى في المجتمعات التي تعيش الحروب أو النزاعات كالحق في الترفيه والحق في حرية التعبير والحقوق الثقافية بعامة.

ويمكن للإغاثة الثقافية أن تكون سنداً مهماً لبقية أدوات الاستجابة الانسانية في اليمن من خلال مزاوجة العمل الإنساني بالعمل الإغاثي الثقافي عبر تفعيل مبدأ الإغاثة الثقافية وتفصيلاتها، وصناعة دائرة ثقافية متكاملة تهدف لرصد الانتهاكات الخاصة بالثقافة مثل حماية الآثار بالإضافة إلى استعارة بعض المفردات الإغاثية ومزاوجتها بالثقافية لتصبح على شاكلة "التغذية والثقافة " و"التعليم والثقافة" و"الصحة والثقافة" و"حماية الأطفال والعنف القائم على النوع الاجتماعي والثقافة" بالإضافة إلى "الأمن الزراعي والزراعة والثقافة" والتراث الشفهي والمادي للمجتمعات المحلية بالإضافة إلى تحوير بعض التفصيلات الاغاثية الدقيقة ودمجها في الثقافة فمقابل النقد مقابل العمل الذي تقوم به وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية يمكن تكوين شكل من أشكال العمل الثقافي الإغاثي للمثقفين مثل تقديم مساعدات نقدية لهم مقابل المقالات والقصص والشعر والفنون التشكيلية والصور التي يقومون بإبداعها بما يجعل المثقفين قادرين على العيش بشكل مقبول في ظل انحدار تمتع المثقفين والمبدعين بالحق في العيش الكريم كحق من حقوق الإنسان.

ويمكن لبرنامج الإغاثة الثقافية أن يكون له دور إيجابي في تفعيل حقوق الطفل كالحق في التعليم عبر البرامج الثقافية والفنية والابداعية المقدمة لهم في المدارس أو في المؤسسات الرعائية، و الإيوائية أو في المراكز الصديقة للطفل.

هذا ويمكن لبرامج الاغاثة الثقافية أن يكون لها دور مهم في تحقيق بعض من حقوق النساء في المجتمعات المتضررة من الصراع، وهناك أفكار رائعة تم تنفيذها في مجتمعات تمر أو مرت بما تمر به اليمن حاليا من ظروف وقد تكون تلك البرامج من قبيل تدريب النساء على الصناعات التراثية التقليدية ليصبح لهذه المنتجات دور في إغاثة هذه النساء وأسرهن من خلال دخل مستدام لهن في مرحلة الصراع التي تمر به مجتمعاتهن.

ومن الممكن جدا أن يتم الربط ما بين حقوق الانسان والاغاثة الثقافية من خلال تبني المفهوم الحقوقي في الثقافة والفنون والآداب وتحقيق مفهوم أن احترام الحقوق الثقافية شرط أساسي لصيانة الكرامة الإنسانية وتوضيح مكانة الحقوق الثقافية في منظومة حقوق الإنسان واعتبار " الحقوق الثقافية " عامل حاسم في الاستجابة الانسانية وتناسق التنمية المستدامة القائمة على عدم تجزئة حقوق الإنسان بما في ذلك حماية التنوع الثقافي ودراسة الحقوق الثقافية و الحقوق المجاورة وتطبيقاتها لصالح المستفيدين من الاستجابة الإنسانية في الشارع اليمني.

وترتبط الاغاثة الثقافية كثيراً بمفاهيم حقوقية مهمة من قبيل الهوية والتراث واحترام تنوع أنماط التعبير والتفكير والدين والرأي والتعبير بالإضافة إلى التحفيز على المشاركة في الحياة الثقافية كمدخل للمشاركة في تفعيل الحقوق الإنسانية واتباع نمط حياة لدى الجمهور اليمني يبرز قيمة رصيده الثقافي ودور هذا الرصيد في الحصول على حمايته من أضرار الحرب وحصوله على بعض من حقوقه الإنسانية الثقافية من قبيل الحق في الحصول على المعلومات والحق في التعبير و الحق في حماية حقوق الملكية الفكرية وتعزيز الديمقراطية وصناعة السلام وتنمية الاقتصاد والتربية والتعليم.

وتعزز الإغاثة الثقافية من إمكانية مشاركة الجمهور الأنشطة الثقافية ضمن برامجها من خلال مساعدة الجمهور على التعبير عن ثقافتهم المحلية وتراثهم الثقافي ودور هذا التراث في الترويج للحقوق الإنسانية والحقوق الثقافية، بالإضافة لدور الإغاثة الثقافية الإيجابي في عملية التغيير السياسي والاجتماعي من خلال تحفيزها لمشاركة المجتمع في الحياة الثقافية وتلقى الخدمات الثقافية، وتعزيز حرية الإبداع الفني وإمكانيات رفعه على المستوى الجمعي وتطوير إمكانيات ومواد ومعايير الرصد والمتابعة والمراقبة لتطبيق حماية الحقوق المادية والمعنوية لأصحاب الأعمال الفنية والثقافية.

ومن جانب آخر يمكن لبرامج الإغاثة الثقافية في حال تم تفعيلها ضمن مسارات الاستجابة الانسانية للمنظمات المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة أن تعمل على البحث والحد والتقليل من الانتهاكات التي قد تحصل للمثقفين والمبدعين مثل الاعتقال أو السجن أو التهديدات، والمساهمة في حماية المواقع الثقافية والاثرية أو للتراث الثقافي والفكري والهوية الثقافية من القصف أو السرقة أو المتاجرة بها.

إن جميع المسارات ضمن الاستجابة الانسانية في اليمن لا تحتوي ما يمكن أن تحتويه برامج الاغاثة الثقافية من أنشطة وتدابير تعمل على صيانة العلم والثقافة وإنمائها وإشاعتها في فترة الصراع الذي تمر به اليمن حاليا ولها تأثير إيجابي على وضع اليمن واليمنيين في فترة ما بعد الصراع ودخول اليمن مرحلة السلام.

وإن اعتبار الاغاثة الثقافية في المستقبل جزء لا يتجزأ من الاستجابة الانسانية في اليمن سيعمل بشكل كبير على تحفيز المجتمعات المتضررة على المشاركة في الاستجابة الإنسانية الثقافية، وتلقى الخدمات الثقافية ورفع سقف حرية الإبداع الفني وتطوير إمكانيات وموارد ومعايير الرصد والمتابعة والمراقبة ومناهضة الانتهاكات للثقافة والحقوق والتراث والهوية الثقافية، وتتبع الانتهاكات التي تتم في مجال الحقوق الثقافية و مناصرة القضايا التي تواجه هذه الانتهاكات مثل الحق في التعليم والمعرفة و الحصول على المعلومات والحق في التعبير وحرية الفكر والمعتقد والتنظيم. وغيرها من تفاصيل الإغاثة الثقافية. 

ومن الممكن للمؤسسات المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة في حال تم وضع الإغاثة الثقافية كجزء من برامج الاستجابة الانسانية في اليمن أن تعمل على العديد من البرامج من قبيل الرصد والمراقبة للانتهاكات في مجال الثقافة والفنون في اليمن وخصوصا في مرحلة الحرب الحالية من خلال برامج عديدة ومتنوعة من قبيل إنشاء مرصد الحقوق الثقافية والتنوع الثقافي في اليمن  والذي يمكن أن يقدم خدماته للمهتمين من الافراد والجمهور وصناع القرار والإعلام والمثقفين ، وبناء القدرات والتأهيل للعاملين في المجال الثقافي و / أو الحقوقي وتنويعاتها وتطبيقاتها وحدودها ومعاييرها وبنودها وطرق ترويجها ، والتوعية / بأهمية التراث المادي والمعنوي في حياة الشعوب والأفراد ومدى تأثير هذا التراث على التنوع.

ويمكن لهذا المرصد والدي يعتبر جزئية بسيطة من تفاصيل الاغاثة الثقافية العمل على تطوير الأفراد والمجتمعات وحماية حقوقهم وثقافتهم عبر النداءات و الأرقام و الاخبار حول الانتهاكات الثقافية للأفراد أو المؤسسات أو التراث أو الآثار و التي سيتم تجميعها من خلال مرصد الحقوق الثقافية و التنوع الثقافي.

ومن الممكن أن تعمل برامج الإغاثة الثقافية من خلال برامج توعوية على الترويج للحقوق الثقافية المنسية في الشارع اليمني و دمجها في الحديث العام ومساندة الإيمان بها لدى الشارع بما يدعم حماية هذه الحقوق الثقافية ونشرها وتطبيقها، وتفعيل برامج المناصرة والمدافعة عن الانتهاكات التي تحدث للحقوق الثقافية للأفراد أو للمجتمعات المحلية أو للمجتمع اليمني ككل سواء كانت هذه الحقوق فردية كحق التعبير أو مجتمعية كالحق في الحفاظ على التراث والتنوع الثقافي من التدمير.

وبالإضافة إلى ما سبق قد تخلق برامج الاغاثة الثقافية في اليمن حزم من البرامج التي يمكنها العمل على تحديد أولويات العمل على السياسات الثقافية وتحديد احتياجات القطاع الثقافي الحكومي وغير الحكومي والتجاري والفردي وتلبية تلك الاحتياجات بما يعود بالنفع على الشارع اليمن ومن تلك الأولويات على سبيل المثال لا الحصر مشاريع خاصة بحماية المبدعين في ظروف الحرب والنزاعات في اليمن، وتصميم برامج خاصة بالإغاثة الثقافية ، ومناصرة قضايا الأشخاص المعتقلين بسبب ممارستهم للحق في التفكير والوجدان وحرية الضمير.

وهناك الكثير من الفئات الإنسانية التي يمكنها الاستفادة من الاغاثة الثقافية في حال أصبحت ضمن مسارات الاستجابة الانسانية للمنظمات المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة في اليمن بخلاف بقية مسارات الاستجابة الإنسانية التي استهدفت خلال السنوات الماضية الأرياف والجمهور في المدن متناسية بعض الفئات الانسانية المهمة والتي تحتاج إلى المساعدة الانسانية في الوضع الذي تعيش به اليمن وتلك الفئات الانسانية من قبيل المثقفون والأدباء والمبدعين والفنانين التشكيليين و مبدعي التصوير الفوتوغرافي والمغنين وممثلي المسرح بالإضافة إلى النشطاء الثقافيين، مع الاهتمام بالأطفال عبر مكون الثقافة والدعم النفسي والاجتماعي للأطفال في ظل النزاعات ومكون حقوق الطفل والثقافة مرورا بالنساء عبر مكون تمكين النساء فى مرحلة النزاعات والعنف القائم على النوع الاجتماعي في النزاعات ومزج العمل الثقافي التمكيني بالعمل على مناهضة العنف على النساء مع الاهتمام بالمؤسسات الثقافية الحكومية وغير الحكومية والشركات التي تعمل في مجال الفنون ومساعدتها على الوقوف مجددا بعد أن توقفت أو أغلقت معظمها خلال الحرب، وأخيرا هناك الجمهور اليمني بصفته مستهدف نهائي ومستفيد بشكل إجمالي من مشروع الإغاثة الثقافية في اليمن.

إن إدراج مسار الاغاثة الثقافية ضمن مسارات الاستجابة الانسانية في اليمن لن يعمل فقط على تقليل التأثير السلبي للحرب والصراع على اليمنيين، ولكنه سيؤثر إيجابياً عليهم في حال تنفيذه بالشكل الملائم وبجودة عالية.

ومن المسارات الإيجابية التي يمكن أن تتحقق في هذا المجال تقليل الانحدار المريع على مستوى الحركة الثقافية أو الحقوقية، وتكوين رؤية ثقافية وإغاثية وحقوقية حقيقية لما يمكن أن تمر به البلاد في المستقبل والتأسيس للقادم من الايام وضمان وجود حركة ثقافية مستقلة وديناميكية، والتأسيس لمرحلة يتم فيها احترام تفعيل الثقافة والفنون والآداب وتعزيز الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية والعامة للمفكرين والمبدعين المستقلين والمثقفين والمنتجين والمبتكرين والجمهور بعامة في اليمن، وحماية المكتسب الناتج عن وثيقة مؤتمر الحوار الوطني والدستور اليمني والقوانين اليمنية المنفتحة ، ومراقبة الانتهاكات ضمن برامج وأنشطة الثقافة والفنون والآداب.

إن دور مسار الاغاثة الثقافية سيكون مهماً في وجود مؤسسات وشركات ثقافية وفنية وأدبية فاعلة ونشطة و لديها إستراتيجيات وأنظمة وسياسات ومشاريع تتعلق بالعمل الثقافي الإنساني فى اليمن مما سيعزز دورها في زيادة إيمان المجتمع بأهمية الإغاثة الثقافية فى خضم الصراع وما بعد الصراع والبدء بالاهتمام بها من خلال التمويلات والشراكات والتعاون فى مشاريع وشراكات وأعمال وأنشطة ثقافية وفنية وإبداعية وأدبية توفر المعلومات والتجارب و الأفكار حول الاستجابة الاغاثية الثقافية في اليمن وزيادة المعرفة بتفصيلاتها ودرجة تدخلاتها بالاستجابة الانسانية ككل،  وصناعة الطلب وخلق العرض للخدمات الثقافية ضمن العمل الإنساني في اليمن.

وقد تعوق مسارات الاغاثة الثقافية في اليمن بعض المعوقات التي غالباً ما تواجه جميع مسارات الاستجابة الإنسانية الرئيسية ولكنها في حال التفعيل المناسب سوف تتجاوزها كما تجاوزت المساقات الانسانية الاخرى تلك العوائق، ومن هذه المعوقات والتحديات المذكوره ادناه:

  • المعوقات السياسية وضبابية صناعة القرار في مدن اليمن المختلفة التي تتبع كل منها سلطة مختلفة عن الأخرى ومعادية لها مما يجعل من الاستجابة الانسانية ككل والاغاثة الثقافية بشكل خاص نشاط غير قابل للتنبؤ والإدارة بالشكل الصحيح.
  • المعوق الأمني بسبب الحرب بين اليمن والتحالف وزيادة عدد الجماعات المسيطرة على الدولة التي لا ترتبط كثيرا بها ولا تؤمن كثيرا بآليات وطرق الدول في ادارة المجتمعات ضمن صراعات أو حروب أو خلال فترات السلام.
  • التحدي الثقافي المجتمعي ومدى تغير المجتمع في تعامله مع الثقافة في اليمن، ولقد تغيرت النظرة المجتمعية إلى الثقافة في الفترة الماضية فمن ثقافة  مجتمعية كانت تذهب إلى السينما والمسرح وتعزز ثقافة الغناء والنشر والرقص إلى ثقافة تخدم الأصوليات الدينية والسياسية مما تسبب في  الاختفاء التدريجي لثقافة متنوعة ومتسامحة وثرية وقادرة على المشاركة في التنمية.
  • التحدي أو المعوق الخاص بالتمويل حيث تتوجه كل المنظمات المحلية والدولية ووكالات الامم المتحدة إلى المعروف والمتداول والمتفق عليه في مسارات الاستجابة الإنسانية دون النظر في أهمية الاغاثة الثقافية في أنشطة الاستجابة الإنسانية في اليمن.
  • التحدي الأهم وهو التحدي المؤسسي حيث أصبحت المؤسسات غير الحكومية الثقافية والابداعية محاربة من قبل الجماعات الأصولية من جانب، وتعاني من ندرة التمويل وعدم إيمان المؤسسات الدولية ووكالات الأمم المتحدة بأهمية الإغاثة الثقافية من جانب آخر مما دفع الكثير منها إلى تجميد أعمالها أو إقفالها أو الخروج خارج اليمن وممارسة العمل الثقافي على المستوى الإقليمي أو الدولي بعد إستحالة القيام بنفس العمل على المستوى المحلي.
  • التحدي الحكومي والمعوقات الخاصة بإعطاء التراخيص للمؤسسات المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة للعمل والتي حوصرت فقط في مجال إعطاء التراخيص لأنشطة الأمن الغذائي والصحة والمأوى وبقية التدخلات الإنسانية الرئيسية ورفض إعطاء تراخيص العمل للمشاريع التي تلبي الاحتياجات الإعلامية والحقوقية والثقافية.
  • المعوقات والتحديات على مستوى المفاهيم فقد غيرت الحرب الكثير من المفاهيم فمن السينما الجميلة إلى السينما باعتبارها مركز للصعاليك، ومن الانترنت الذي يخدم التعليم إلى الإنترنت الذي لا يدخله الا الباحثين عن الجنس، ومن الغناء الذي يمارسه نخبة المثقفين إلى الغناء الذي يعتقد الشارع أنه لا يمارسه الا بعض الاشخاص من الطبقات الاجتماعية المتدنية.

لقد تغيرت رؤية المجتمع اليمني للكثير من المفاهيم الثقافية إلى دلالات سلبية وتم الترويج في المجتمعات اليمنية لثقافات  جديدة تجعل من  منطقها  الثقافي هو السائد والمقبول و الجيد للتعامل معه.

وعلى مستوى العالم فهناك العديد من دول العالم التي واجهت نزاعات في مجتمعاتها وعملت على تفعيل كل جوانب الإغاثة الإنسانية الرئيسية ولكنها لم تتناسى أو تتجاهل الإغاثة الثقافية باعتبارها جزئية مهمة من أنشطة الاستجابة الإنسانية.

وهناك العديد من الأمثلة التي يمكن إيرادها في هذا المجال من قبيل ب التعلم من تاريخ الصراع مثل ما حدث في رواندا عبر مركز يحتفظ بالتراث  متعدد الوسائط يحتوي أرشيف يضم  العديد من الشهادات حول الإبادة الجماعية في رواندا  والتي حدثت في 1994 ويجعل المواد متاحة في صورة بناءة للأجيال الشابة[2].

وفي أمثلة أخرى في الوقت الحالي وتحديدا في أوكرانيا هناك عدد من التدخلات الثقافية والابداعية والتي تدخل ضمن برامج الإغاثة الثقافية من قبيل المعونة الثقافية هناك والتي هدفت للعمل كنقطة اتصال للعاملين في مجال الثقافة والفنانين من أوكرانيا، وعملت على  تمكين  الفنانين والعاملين في المجال الثقافي، وتوسيع شبكاتهم مع المؤسسات الثقافية، وتنفيذ المشاريع الفنية بنجاح هناك  بالإضافة إلى تقديم الدعم الثقافي إلى اللاجئين الأوكرانيين في دول اللجوء لكي يتابعوا مهنتهم الإبداعية مرة أخرى وتسجيل انطباعاتهم وخبراتهم عن الحرب في بلدهم الأصل بشكل فني وإبداعي[3].

وبشكل أكثر تركيزا في أوكرانيا وهذا ما لم يحدث في اليمن تم تأسيس صندوق طوارئ خاص بالفنون في أوكرانيا وهو صندوق متخصص بالإغاثة الثقافية والفنية والإبداعية هناك وهو متخصص بدعم الفنانين والعاملين والمثقفين المستقلين في أوكرانيا لكي يتمكنوا من العيش والامان ومواصلة أعمالهم الثقافية والإبداعي ومعالجة تهديدات الحرب في أوكرانيا على المجتمع الثقافي والإبداعي والفني هناك، وهذا ما لم يحدث في الأزمة اليمنية للأسف[4].

وفي الحقيقة هناك العشرات من الأمثلة التي يمكن سردها عن تفصيلات الإغاثة الثقافية والتي تم تفعيلها في الصراعات التي حدثت في العديد من البلدان الافريقية أو العربية أو الاسيوية ويحتاج العثور عليها والاستفادة منها والتعلم منها إلى البحث والتقصي وموائمة الملائم منها مع الحالة اليمنية.

وأخيرا فإن التفعيل الحقيقي لمسار الاغاثة الثقافية في مسارات الاستجابة الانسانية في الجمهورية اليمن سيفتح الباب على معلومات وتحليلات مهمة عن العديد من القضايا الإنسانية في اليمن، وستفعل دور أطراف مجتمعية فردية ومؤسسية للقيام بدور حقوقي دفاعي وتثقيفي إغاثي تجاه المجتمع اليمني بالإضافة إلى أن تفصيلات الأدوات التي يتم استخدامها في الاغاثة الثقافية ممتازة للغاية في تعزيز التواصل الأدبي والفني والثقافي من أجل حقوق الإنسان وتعتبر من الأدوات المهمة في المراقبة والرصد والمناصرة والمساءلة حول حقوق الإنسان وانتهاكاتها في اليمن، ومن هنا جاء هذا المقال لدعم ادراج الإغاثة الثقافية ضمن مسارات الاستجابة الانسانية المنسية في اليمن وتفعيلها لصالح الجمهور اليمني وحقوقه الإنسانية.

[1] https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86

[2] https://www.goethe.de/en/kul/foe/inh/hlf/22556262/22774081.html

[3] https://www.ifa.de/en/ukraine-projects/

[4] https://ueaf.moca.org.ua/

Related Posts