الاختلاف والتعايش في المجتمع اليمني
اعداد: محمد فيصل الشراقي
مقدمة
تُعد حرية الاعتقاد من أهم الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الإنسان، فهي تمنح الفرد حرية اختيار ما يريد أن يؤمن به، وتسمح له بممارسة دينه أو معتقداته بحرية تامة دون تدخل من أي جهة خارجية، وتعتبر هذه الحرية أساسية للتعايش السلمي بين البشر، حيث يمكن لكل شخص أن يتبع دينه أو معتقداته دون تعرضه للمضايقات أو التمييز، وتعرف حرية الاعتقاد بأنها حق من حقوق الإنسان الأساسية التي تعترف بها الكثير من الدساتير والمواثيق الدولية، وتنص على أن حرية الاعتقاد تعني[1]:"حق كل شخص في اختيار ما يؤمن به أو لا يؤمن به، وفي ممارسة هذا الاعتقاد دون التعرض للإكراه أو التهديد بالعقاب".
وتتضمن حرية الاعتقاد أيضاً حق الشخص في تغيير معتقداته والتبديل إلى ديانة أو فكرة أخرى، والملاحظ أن هناك بعض القيود التي يتم وضعها على حرية الاعتقاد، خاصة عندما يتعلق الأمر بممارسة العقائد الدينية التي قد تتعارض مع قوانين الدولة أو تهدد الأمن العام، وهو ما يعني أن حرية الاعتقاد تواجه تحديات كبيرة في بعض المجتمعات والثقافات، حيث قد يتعرض الأشخاص للضغط من قبل الحكومات أو المجتمعات أو الأفراد لتغيير معتقداتهم أو الانتقال إلى اعتقادات أخرى، وهذا يتنافى مع حرية الفرد في التفكير والاعتقاد واتخاذ القرارات المناسبة له، ولذلك يجب على الحكومات والمؤسسات الحفاظ على حرية الاعتقاد، وتوفير المناخ المناسب لممارستها بحرية ودون تعرض الأفراد للمضايقات أو التهديدات.
يهدف الكاتب من خلال هذه المدونة إلى تسليط الضوء على حرية الاعتقاد في الجمهورية اليمنية بالنسبة للشرعة الدولية، الإقليمية، والوطنية، وتوضيح مدى التزام الجمهورية اليمنية بتلك الشرائع والتطورات التي حصلت بالنسبة لحق الاعتقاد في الجمهورية اليمنية.
أولاً: الإطار القانوني لحرية الاعتقاد:
حرية الاعتقاد هي حق أساسي للإنسان، ويتم حمايتها بموجب القوانين والمعاهدات الدولية. فيما يلي نظرة عامة على المواد التي تتعلق بحرية الاعتقاد في الشرعة الدولية والشرعة الإقليمية والوطنية:
يحظى حق الاعتقاد بالحماية في العديد من المواثيق الدولية والقوانين الدولية، وهنا سنتطرق لبعض المواد التي تتعلق بحق الإنسان في الاعتقاد والتفرد بالديانة والمعتقدات الدينية في الشرعة الدولية، وقد صادقت الجمهورية اليمنية على الشرعة الدولية والاقليمية باعتبارها كيان من كيانات المجتمع الدولي، في 9 من فبراير من العام 1986م،[2] وعلى كل من العهدين الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية في 29 من فبراير 1987م[3]، وعلى اتفاقية حقوق الطفل في 20 نوفمبر من العام 1998م،[4]
تنص المأدة 18 في الاعلان العالمي لحقوق الانسان على أن "لكل شخص حقٌ في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه او معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة "[5]
يعتبر العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية مصدراً هاماً في قضية حق الاعتقاد، حيث ينص على أن[6]:
ويتضح من السابق أن الفقرة الأولى كفلت حق الانسان في اعتناق اي دين، والفقرة الثانية كفلة حماية الشخص من أي أكراه لتغير معتقدة او دينة، بينما الفقرة الثالثة قيدت حرية الانسان في الاعتقاد بحسب القانون وأن لا تخل بالآداب العامة.
لم يتناول العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والثقافية ما يخص حرية الاعتقاد بشكل صريح في مواده كونها خارجة عن اهتماماته وليست في محل تخصصه، ولكنها تناولت في نصوصها ما يشير إلى حرية الاعتقاد فقد نصت على انه يجب أن تكون التربية الدينية والخلقية للأطفال ملائمة لرغبة الآباء والأوصياء.[7]
يؤكد القانون الدولي الإنساني على حق الأشخاص المحتجزين في حروب ونزاعات مسلحة في ممارسة حريتهم الدينية وفي أداء طقوسهم الدينية دون تعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.[8]
_1تحترم الدول الأطراف حق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين.
_3 لا يجوز أن يخضع الإجهار بالدين أو المعتقدات إلا للقيود التي ينص عليها القانون واللازمة لحماية السلامة العامة أو النظام أو الصحة أو الآداب العامة أو الحقوق والحريات الأساسية للآخرين.
يؤكد هذا القرار على أن حق الاعتقاد يجب أن يتمتع به كل إنسان دون تمييز أو تحيز، ويشدد على ضرورة حماية حرية التعبير والتعبير عن الدين بدون تعرض للتمييز.[10]
يشير هذا القرار إلى أن حق الأفراد في حرية الاعتقاد والتدين هو حق أساسي لا يمكن المساس به، ويدعو إلى ضمان حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في إطار مكافحة الإرهاب، دون المساس بتلك الحقوق والحريات.[11]
يدعو هذا القرار إلى تشجيع الحوار والتفاهم بين مختلف الثقافات والأديان، وتعزيز الاحترام المتبادل والتسامح ومكافحة التمييز والعنصرية على أساس الدين أو المعتقد.[12]
تعترف هذه الاتفاقية بحق الأفراد في حرية الاعتقاد والتدين، وتمنح الحق في الإبداء العلني أو الخاص للدين أو الاعتقاد وتمارس هذه الحرية بدون قيود غير مشروعة، وتضمن الحماية من التمييز بناء على الدين أو الاعتقاد.[13]
تختلف المواد السابقة في صياغتها وما تطرقت له في نصوصها، ولكنها تتفق جميعًا على أن الإنسان لديه الحق في الاعتقاد والتفرد بالديانة أو المعتقدات الدينية أو الفلسفية التي يختارها، وحرية التعبير عن هذه الاعتقادات بتعليم وممارسة وعبادة فردية أو جماعية، كما تحظر هذه المواد التمييز بين الأشخاص على أساس الديانة أو المعتقدات الدينية، وتتطلب احترام حرية الأفراد في الاختيار والتعبير عن ديانتهم أو معتقداتهم الدينية دون قيود غير مبررة، كما تشير هذه المواد إلى ضرورة تشجيع التنوع الثقافي والديني واللغوي وتطوير الحوار بين الثقافات.
ظهرت عدة اتفاقيات ومعاهدات في الشرعة الإقليمية تحمي وتحافظ على حق حرية الاعتقاد أهمها:
استمد الاعلان مرجعتيه من الشرعية الاسلامية ولهذا لم يفرد مادة صريحة لحق الاعتقاد وإنما نص على انه "الإسلام هو دين الفطرة، ولا يجوز ممارسة أي لون من الإكراه علي الإنسان أو استغلال فقره أو جهله على تغيير دينه إلي دين آخر أو إلى الإلحاد"[14]
يتضح من السابق بأن الفقرة الأولى ضمنت الحق في اعتناق اي دين وفكر ومعتقد بينما تشير الفقرة الثانية لحق الانسان في إظهار معتقده وممارسة شعائر بحدود القانون والآداب العامة، وتؤكد جميع هذه الاتفاقيات على حق الأفراد في حرية الاعتقاد والتعبير وحرية التفكير والضمير وحرية الاختيار في الانتماء الديني والفكري ، وتشدد على ضرورة حماية هذه الحقوق وتوفير الحماية اللازمة لها.
بالنسبة للشرعة الوطنية المتمثلة بالدساتير والقوانين الوطنية بخصوص حق الاعتقاد، تمثلت في الاتي:
لم تتضمن الدساتير اليمنية بدئًا بدستور1991 ودستور 1994 وتعديلات 2001 حق الاعتقاد بشكل صريح، وإنما نصت الدساتير على أن الإسلام هو دين الدولة[18]، وكما نصت ايضًا على أن لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون[19]، وأن المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة،[20] لم ينص بشيء يمس حرية الاعتقاد بشكل أساسي ويرجع ذلك لأن الجمهورية اليمنية دولة إسلامية، وكما تنص الدساتير تعتبر الشريعة الإسلامية أساسًا لكل التشريعات والتي لا يوجد بها شيء يسمى حق الاعتقاد.
ولكن مسودة دستور 2015 تطرقت لحرية الاعتقاد في نصوصها، فقد أُجريت تعديلات على صياغة مواده من ضمنها بأن "المواطنون متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة دون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو العرق أو الأصل أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الإعاقة أو الانتماء السياسي أو الجغرافي أو الوظيفة أو المولد أو أي اعتبارات أخرى"[21]
وايضًا ذكرت مسودة الدستور بأن:[22]
1- لكل إنسان الحق في حرية المعتقد والضمير والفكر والرأي بما لا يخالف الدستور، ويجرم فرض أي رأي أو فكر أو معتقد على أي إنسان بالقوة.
2- ممارسة الشعائر الدينية حق مكفول لكل إنسان.
ويتضح من السابق بأن الفقرة الأولى ضمنت الحق في حرية الاعتقاد بما لا يخالف الدستور والفقرة الثانية ضمنت حق ممارسة الشعائر الدينية لكل إنسان.
وتطرقت ايضًا مخرجات الحوار الوطني لحرية الاعتقاد بالنصوص التالية:[23]
وعملت على حماية حرية الفكر والاعتقاد فيحظر المساس بحرية الفكر والمعتقد، من قبل أي جهة كانت ويعاقب من يرتكب هذ الفعل وفقاً للقانون[24]
لم يحصل حق الاعتقاد على المساحة الكافية في الدساتير اليمنية في عام 91 و94 وتعديلات 2001 ويرجع ذلك كما ذكرنا سابقًا بأن الجمهورية اليمنية دولة إسلامية تستمد شرعيتها من الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي ثم من القوانين الدولية، ولكن مسودة دستور 2015 ومخرجات الحوار الوطني تناولت حرية الاعتقاد في نصوصها دون النص على حرية تغيير الديانة الإسلامية إلى غيرها، وقد تم صياغة مسودة الدستور ومخرجات الحوار الوطني دون أن تهمل حق الاقليات الدينية، حيث يشكل الهندوس والإسماعيليون والبهائيون والمسيحيون واليهود أقل من 1% من نسبة السكان والذي يعتبر 99.4% منهم مسلمون بين المذهب الشافعي والمذهب الزيدي.[25]
مع ان القانون الوطني يتسم بالتعايش مع القانون -العلماني- الدولي العام من ناحية تركيزهما على المبادئ الأساسية كالمساواة والعدالة، ويعتبر القانون المدني نموذج من القانون المختلط _ يجمع بين مبادئ وقواعد المدني مع أنظمة وقوانين أخرى_ إلا أنه لم يتطرق لقانون واحد يضمن حرية الاعتقاد، فهو يستمد شرعيته من الدستور والذي يستمد شرعيته أساسًا من الشريعة الإسلامية خصوصًا فيما يخص الدين والمعتقد.
وهناك العديد من القوانين التي تمس موضوع الاعتقاد وتتناسب مع طبيعة الجمهورية اليمنية منها قانون شجب الاسلام، والتحول من الاسلام لدين أخر والتي تسمى الردة وتعتبر جريمة يُعاقب فاعلها بالإعدام بعد ان يحصل على ثلاث فرص ومهلة تتمثل في ثلاثين يوم للرجوع والتوبة أو يطبق فيه الحكم، ويُعاقب القانون التجديف -السخرية- من الاديان بعقوبة تتراوح بين ثلاث سنوات سجن وغرامة مالية وإن كان الدين الإسلامي هو محل القصد من التجديف تصل العقوبة لسجن لمدة خمس سنوات وغرامة مالية غير محددة القيمة، وينص قانون العقوبات بعقوبة السجن لمدة خمس سنوات او غرامة مالية لكل من تعمد تحريف القران الكريم بغرض الاضرار بالدين، ويحضر القانون على المرأة المسلمة الزواج من رجل على غير الدين الإسلامي ويحضر القانون للرجل اياً كانت ديانته بأن يتزوج إمرأة وثنيه أي لا تدين بالديانات الابراهيمية "الاسلام _ اليهودية _ النصرانية".[26]
ثانيًا: تطورات الأحداث ذات الصلة بحرية الاعتقاد في الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ 1990 الى 2023:
كما ذكرنا سابقًا بأن نسبة الغير المسلمين في اليمن لا تتجاوز 1% من نسبة السكان[27] أي أنهم يعتبروا أقلية ولا تحظى الاقليات بقوانين وتشريعات تحميها بشكل كبير في المجتمع اليمني الذي يسود عليه التجانس ولم يعتاد على الاختلاف في الدين والعقيدة، فمن خلال الاطلاع على برامج الحكومات منذ قيام الوحدة عام 1990م الى 2023 لم تتطرق كافة الحكومات الى حرية الاعتقاد. وبالنسبة للانتهاكات التي طالت حرية الاعتقاد فسيتم تقسيم الاقليات الدينية في اليمن الى أربع أقليات، ويتم التطرق للانتهاكات التي حصلت لكل فئة منهم بالشكل التالي:
يعد الإسماعيليون ثاني أكبر جماعة شيعية مسلمة بعد الاثني عشرية، ويعرف اليمن الحديث من هذه الفرق فرقتين رئيسيتين: الإسماعيليين الداوودية (البهرة)، والإسماعيليين السليمانية (المكارمة)، ويبلغ عددهم حوالي 68,229 نسمة وبالنسبة لتوزيع السكاني فينحصرون في محافظة صنعاء بحيث تشكل منطقة حراز التجمع الأكبر للإسماعيليين في اليمن، حيث يصل عددهم إلى حوالي 50,000 فرد، نصفهم من المكارمة والنصف الآخر من الداوودية (البهرة)، أما مديرية همدان فيعيش فيها 184 فرد في قرية طيبة، و 45 آخرون في قرية بيت الأمير، ومحافظة إب بحيث تعتبر عزلة عراس ثاني أكبر تجمع سكاني للإسماعيليين في اليمن، حيث يصل يسكن فيها حوالي 15,000 فرد، جلهم من المكارمة، كما يسكن حوالي 3,000 آخرين في مديرية العُدين.[28]
تعرض الإسماعيليون في اليمن إلى انتهاكات وعنف مستمر ومتواصل حتى اللحظة، بسبب عدم تقبل الطوائف والفرق والجماعات الدينية الأخرى لها ويرجع عدم تقبلها الى الاختلاف الداخلي المستمر بين الطائفة نفسها من وقت إلى آخر من خلال التستر والتقية بين بعضهم البعض وبينهم والآخرين التي تبعث على الغموض وتثير التساؤلات، أيضا وجود شطحات فلسفية وفكرية أبقت مشاريعهم الفكرية غير منشورة ولم يطلع عليها عامة الناس، فقد تعرض الإسماعيليون على مدى التاريخ إلى القتل والإبادة بالآلاف. [29]
و تعرض الإسماعيليون في الفترة الأخيرة لكثير من الانتهاكات، كانت بدايتها التكفير والمضايقات من قبل بعض الخطباء التابعين لحزب الإصلاح، ومن ثم تزايدت الانتهاكات الحاصلة لهم بعد نشوب الحرب في اليمن فقد كانت الحرب سبب في وجود بيئة خصبة للجماعات المتطرفة التي تعادي كل من يختلف معها دينيًا، فقد وضعت كثيرا من العراقيل أمام هذه الطائفة لمنعها من ممارسة طقوسها كزيارات الأضرحة في كل من حراز وجبلة، والكثير من الانتهاكات المباشرة التي يتعرضون لها، وتهدد حياتهم وحريتهم وممتلكاتهم، بدئًا بمحاولة اختطاف رجل أعمال من البهرة وابنه من قبل متطرفون إسلاميون عام 2015م، وانفجار سيارة مفخخة أمام مسجد الفيض الحاتمي بصنعاء في نفس العام[30]، ما أدى إلى وفاة ثلاثة أشخاص على الأقل، وقد سبق لجماعة الحوثيين مداهمة المركز وأغلاقه من قبل، واعتقال قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية عددًا من أتباع الطائفة الإسماعيلية القادمين من الهند، قبل أن تفرج عنهم بعد ذلك، وتعرض الاسماعيليون الى العديد من المضايقات والاعتقالات بل وصل الحال الى التهديد بالقتل وأخذ غرامات مالية كبيرة مما أدى بكثير منهم إلى مغادرة اليمن خوفا على أنفسهم وأملاكهم في ظل الانفلات الأمني وعدم وجود الدولة التي يجب عليها حماية الأقليات.[31]
على الرغم من أن البهائيين في اليمن يقولون إن نشاطهم في اليمن يعود إلى القرن التاسع عشر، فإن ظهورهم العلني لم يأت إلا في نوفمبر من عام 2015 حيث أعلن البهائيون عن وجودهم باعتبارهم مكونا رسميا، وبالنسبة لعددهم فاختلفت المصادر في تحديد عددهم إلا أن عددًا من المراجع الحقوقية والإعلامية قالت بأن عددهم الألف والألفين، وبعضها أشارت إلى عدة آلاف، والجدير بالذكر بأن البهائيون خليط من أبناء القبائل اليمنية المعروفة ومن أبناء المدن كما يوجد عدد قليل جدا من أصول غير يمنية المتواجدين في اليمن وتسكن العديد من المدن اليمنية أهمها صنعاء[32]. ويُعاني البهائيين الكثير من المضايقات والاضطهاد فقد صنفهم علماء الدين اليمنيون حركة كافرة وخبيثة هدفها تدمير الإسلام، باعتبار أن كتابها غير القرآن، وأن صلاتهم ونبيهم غير صلاة المسلمين ونبيهم، ويعتبرونهم مرتدين.
والنسبة لبدايات الانتهاكات للبهائيين فتعود إلى 2008م بدايةً بموجة اعتقالات ضد الطائفة من قبل الأمن القومي، وفي 3 ديسمبر 2013م بقضية المعتقل اليمني البهائي المعروف حامد بن حيدرة، حيث قام الأمن القومي باعتقاله، وفي العام 2014م بدأت النيابة الجزائية حملة إعلامية مكثفة ضد البهائيين استهدفت تشويه سمعتهم وتخويف الرأي العام من هذه الأقلية، وفي عام 2015م تم اعتقال أكرم صالح عياش لمدة يوم واحد في قسم شرطة بتهمة نشر البهائية، وفي 10 أغسطس 2016م هاجمت قوات تابعة للأمن القومي وفي سابقة من نوعها فعالية نظمتها إحدى المؤسسات البهائية المرخصة بمناسبة اليوم العالمي للشباب، واعتقلت القوات التي داهمت الموقع بالأسلحة 67 فردا بينهم نساء وأطفال بشكل جماعي، وفي 17 أبريل 2017م ومع اقتراب عيد الرضوان أهم أعياد البهائيين بدأ الأمن القومي بحملة اعتقالات جديدة وواسعة ضد البهائيين رجالا ونساء، وفي 2 يناير 2018م أصدر القاضي عبده إسماعيل حسن راجح حكماً بإعدام حامد بن حيدرة تعزيرا، ومصادرة كافة أملاكه، كما حكم بإغلاق كافة المؤسسات والمحافل البهائية في البلاد، وفي الحادي عشر من أكتوبر 2018 تم اعتقال المتحدث باسم الطائفة البهائية في اليمن عبد الله العلفي[33]، وغيرها الكثير من الانتهاكات التي تعرضوا لها أتباع البهائية[34].
وفي مايو 2021 داهمت قوات الأمن التابعة لجماعة الحوثي منازل 20 بهائيًا في صنعاء واعتقلتهم، وفي أغسطس من نفس العام اعتقلت أكثر من 65 بهائيًا كانوا يشاركون في ورشة عمل شبابية في صنعاء، كما عملت على اختطاف 11 بهائيًا في صنعاء ولا يزال عدد 5 منهم معتقلين ومخفيين حتى اليوم[35].
صحيح بأن الانتهاكات بحق البهائية بدأت منذ 2008 إلا أن الأحداث الأخيرة أثبتت بوضوح أن جماعة الحوثيين هي الجهة الرئيسية المسئولة عن الاضطهاد الحالي للبهائيين في اليمن. فلا يمكن المقارنة بأي حال بين ما كان يحدث قبل وصولهم إلى الحكم في صنعاء وبين ما يحدث للبهائيين الآن في مناطق سيطرتهم، فيتعرض البهائيون لضغوط كبيرة وممنهجة من قبل السلطات الحاكمة، لاسيما في صنعاء حيث سيطرة جماعة الحوثي، ووصفهم لها بالحركة الشيطانية والعمل على التحريض عليها.[36]
للمسيحية امتداد تاريخي في اليمن منذ القدم وقد تعرضت للكثير من الانتهاكات على مر العصور ولكن ما بدأ بشكل واضح للعلن هو ما عانته المسيحية بعد نشوب الحرب في اليمن منذ 2015، فقد كانت المسيحية تقوم بطقوسها الدينية بشكل سري و كانوا ينتظرون قبل الحرب قراراً من الحكومة حول ما إذا كانت ستسمح لهم بتشييد مؤسسات تابعة لطائفتهم، وبحسب تقرير هيومن رايتس ووتش فإن مسيحيي اليمن يقدر عددهم بنحو 41000 من اليمنيين الأصليين واللاجئين من الخارج، منهم مسيحيون يمنيون أصليون لا يجرؤون الجهر بمعتقداتهم، ومنهم من يتعرض للتهديد كل يوم بوصفهم مرتدين ويستحقون الموت، وبسبب التطرف الذي زادت حدته في السنوات الأخيرة بسبب الحرب الأهلية التي أذابت وجود الدولة وأظهرت كثيرا من المليشيات المسلحة المتطرفة التي ترفض وجود الآخر المختلف معها دينيا.[37]
وبالنسبة الانتهاكات التي يواجها المسحيين فتختلف عن غيرها من الجماعات بأنها لا تواجهه الانتهاكات فقط من الدولة وإنما من المجتمع الذي يسمى محافظا ويرفض الاختلاف ويعتبره تهديدا لوجوده، وقد وقعت الكثير من الانتهاكات على المسحيين في الفترة الاخيرة بدئًا بمقتل الأطباء الأمريكيين الثلاثة في الكنيسة المعمدانية الجنوبية في مدينة جبلة في محافظة إب اليمنية في ديسمبر 2002 وقد نسبت لتنظيم القاعدة، و هدم مقبرة الإنجليز في مدينة المعلا في عدن وإحراق كنيسة القديس يوسف الكاثوليكية في عام 2015، وإحراق كنيسة البادري الموجودة في كريتر في عدن من قبل متشددين اسلاميين، وغيرها الكثير من حرق للكنائس ومطاردة للمسيحيين مما إطر الكثير منهم لمغادرة اليمن للحفاظ على حياتهم. [38]
ما يربط الاربع الاقليات السابقة بالرغم من اختلاف أيديولوجية كل منها هو ما تعرضت له وما زالت تتعرض له من انتهاكات لحريتها الدينية في ضل دولة صادقت على المواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ولكن لا يوجد تطبيق لها في ارض الواقع وخصوصًا بعد الأحداث التي جرت على البلاد منذ 2015 وأصبح الوضع مزري في ضل عدم وجود لدولة تحمي وتحافظ على حقوق الإنسان، فقد أشار المركز الأوروبي للقانون والعدالة إلى أنه في حين تدعم اليمن على ما يُزعم حرية المعتقد والضمير فإنها ترى أن تغيير أي شخص لدينه والمجاهرة بذلك التغيير من شأنه أن يخلق فتنة وأن يضر إلى حد كبير باستقرار المجتمع والأمن[39].
ختامًا لا يمكن أن يسود حق حرية الاعتقاد في الجمهورية اليمنية الا بعد أن يتم توعية المجتمع بقبول الاختلاف والتعايش معه فليس كل من يخالفني في الدين يعتبر عدوًا لي وأن كان من أبناء وطني، وأن يتم تفعيل العمل بما صادقت عليه الجمهورية اليمنية من عهود ومواثيق دولية وإقليمية، وضمان حق الاقليات الدينية في اليمن على حق العيش الآمن في وطنهم، وممارسة حقهم في الاعتقاد دون تمييز أو اتحيز.
[1] عايد صباح، المحكمة الدستورية العليا ودورها في إعلاء حقوق المواطنة وترسيخ واجباتها، ktab INC، متوفر على الرابط https://2u.pw/UzTtFs شوهد في 17/2/2023م الساعة 9:23م
[2] الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي وقعت عليها اليمن المركز الوطني للمعلومات، https://2u.pw/nBQaC7 ، شوهد في 2023/3/19 الساعة 9:26م
[3] نفس المرجع.
[4] نفس المرجع.
[5] الأمم المتحدة، الإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948م ، المادة 18 ، متوفر على الرابط https://www.un.org/en/about-us/universal-declaration-of-human-rights شوهد في ( 24-2-2023م، الساعة 9:43م)
[6] الأمم المتحدة، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966م، المادة 18، متوفر على الرابط https://www.ohchr.org/en/professionalinterest/pages/ccpr.aspx شوهد في ( 24-2-2023م، الساعة 10:11م)
[7] الامم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966المادة 13 متوفر على الرابط https://www.ohchr.org/en/professionalinterest/pages/ccpr.aspx شوهد في ( 24-2-2023م، الساعة 10:33م)
[8] International Committee of the Red Cross. (2019). Customary IHL Database: Rule 62. Respect for Convictions and Religious Practices. https://ihl-databases.icrc.org/customary-ihl/eng/docs/v2_rul_rule62 (23-2-2023م، 5:30م)
[9] الأمم المتحدة، اتفاقية حقوق الطفل الجمعية العامة المادة14 الفقرتين 1-3، 1990م متوفر على الرابط https://www.ohchr.org/EN/ProfessionalInterest/Pages/CRC.aspx (20-2-2023م، الساعة 4:22م)
[10] الأمم المتحدة، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن إزالة جميع أشكال التمييز على أساس الدين أو المعتقد، القرار رقم 55/36، متوفر على الرابط https://undocs.org/A/RES/36/55 شوهد في ( 2023-2-23م، الساعة 3:34م)
[11] United Nations General Assembly. (2014). Global efforts to combat terrorism. https://undocs.org/en/A/RES/69/178(25-2-2023م، 3:54م)
[12] الأمم المتحدة، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 296/73 بشأن تعزيز التسامح والاحترام للتنوع الثقافي والديني، الصادر عام 2019م، متوفر على الرابط https://undocs.org/A/RES/73/296 شوهد في (24-2-2023م، الساعة 12:15م)
[13] Council of Europe. (1950). European Convention on Human Rights. https://www.echr.coe.int/Documents/Convention_ENG.pdf (2023-1-29م، 10:9م)
[14] المنظمة العربية لحقوق الإنسان، اتفاقية القاهرة لحقوق الإنسان عام 1969م، المادة10، متوفر على الرابط https://www.ohchr.org/ar/professionalinterest/pages/ccpr.aspx شوهد في (2023-2-1م، الساعة 9:22م)
[15] المنظمة العربية لحقوق الانسان، الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عام 2004م، المادة 30، نقس المصدر السابق
[16] جبران حرمل، واقع حقوق الانسان في اليمن بين النظرية، مركز الوحدة العربية للدراسات https://2u.pw/oGEbwy، شوهد في 2023/3/20 الساعة 7:9م
[17] تقرير الجمهورية اليمنية الخاص بحقوق الإنسان المقدم لمجلس حقوق الإنسان، أيار/مايو 2009، المركز الوطني للمعلومات: https://yemen-nic.info/news/detail.php?ID=21718
[18] المادة 2 من الدستور اليمني "دستور 1991 -1994- تعديلات 2001 - المركز الوطني للمعلومات: https://yemen-nic.info/db/laws_ye/dostor.php?ID=5846
[19] المادة 42 من الدستور اليمني "دستور 1991 -1994- تعديلات 2001"، المركز الوطني للمعلومات: https://yemen-nic.info/db/laws_ye/dostor.php?ID=5846
[20] المادة 41 من الدستور اليمني "دستور 1991 -1994- تعديلات 2001"، المركز الوطني للمعلومات: https://yemen-nic.info/db/laws_ye/dostor.php?ID=5846
[21] مسودة دستور الجمهورية اليمنية الصادر عام 2015 المادة 75، المركز الوطني للمعلومات: https://yemen-nic.info/db/laws_ye/dostor.php?ID=5846
[22] المادة 82 نفس المرجع
[23] مخرجات الحوار الوطني، الحقوق والحريات، حق الفكر المادة 137- 138- 139
[24] نفس المرجع، الاسس السياسية المادة 8
[25] الاقليات الدينية في اليمن، إنصاف متوفر على الرابط https://2u.pw/xhOGeJ شوهد في 2023/3/14 الساعة 1:50م
[26] التقرير الدولي بشان الحرية الدينية في اليمن، السفارة الأمريكية في اليمن متوفر على الرابط https://2u.pw/Q1rtbH شوهد في 2023/3/14 الساعة 2:31م
[27] مصدر سابق
[28] محمد المحفلي إيمان حُميد، الاقليات في اليمن الواقع والتحديات، مركز إنصاف لدفاع عن الحريات و الاقليات، 2019م، ص 47 متوفر على الرابط https://2u.pw/4016mS ، شوهد في 2023/3/29 الساعة 11:14م
[29] الامم المتحدة، ناشط حقوقي من الطائفة الإسماعيلية في اليمن: نعاني من الإقصاء السياسي بعد الثورة، متوفر على الرابط https://2u.pw/UCRAjq، شوهد في 2023/3/29 الساعة 12:02م
[30] تنظيم الدولة يتبنى تفجير مسجد للبهرة في صنعاء – الجزيرة نت : https://rb.gy/56yjd1
[31] محمد المحفلي، مرجع سابق ص 50
[32] البهائيون في اليمن، (2019)، الموقع الرسمي للبهائيين في اليمن، متوفر على الرابط http://www.bahaiye.org/AR/About/Default.aspx ، شوهد في 2023/3/29 الساعة 9:12م
[33] تقرير مقدم إلى الأمم المتحدة بشأن الاستعراض الدوري الشامل لليمن 2018، مواطنة لحقوق الإنسان متوفر على الرابط https://2u.pw/toTtvt شوهد في 2032/3/22 الساعة 10:23م
[34] للمزيد أنظر الى محمد المحفلي، مرجع سابق ص 61
[35] الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في اليمن، انتهاكات تستهدف البهائيين، 24/4/2024، https://www.ohchr.org/en/countries/yemen/our-presence
[36] نفس المرجع ص63
[37] نفس المرجع ص 69
[38] محمد المحفلي، مرجع سابق ص70
[39] موجز الاستعراض الدوري الشامل بشان اليمن – الدورة الخامسة 2009: https://www.upr-info.org/sites/default/files/documents/2013-08/ahrcwg.65yem3a.pdf