حرية الرأي والتعبير في اليمن بين النظرية والتطبيق (1990-2022)

حرية الرأي والتعبير في اليمن بين النظرية والتطبيق (1990-2022)
حرية الرأي والتعبير في اليمن بين النظرية والتطبيق (1990-2022)

تعاطي الحكومات اليمنية المتعاقبة مع حرية الرأي والتعبير (1990- 2022)

عبد الرحمن حسن مجمل - باحث وسياسي يمني[1]

مقدمة

تعتبر حرية الرأي والتعبير من الحقوق الفردية والاساسية للإنسان بطبيعته، ويتضمن هذا الحق الحرية في التعبير عن الآراء والأفكار والمعتقدات والتعبير الفني والثقافي والديني، وكذلك حرية الصحافة والإعلام والتعليم ويتمتع الفرد بحق التعبير عن رأيه بشكل عام، سواء كان ذلك عبر الكتابة أو النشر أو التظاهر أو الخطاب العلني أو وسائل الإعلام الاجتماعية،         من هذا المنطلق يقصد بحرية الرأي والتعبير بأنها:" القدرة على التعبير بحرية دون رقابة أو قيود أو مساءلة حكومية بشرط الا تحتوي مضمون هذه الاعمال على أفكار وآراء تعتبر خرقاً لقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التي سمحت بحرية الرأي والتعبير، ويصاحب هذا النوع من الحرية بعض أنواع الحقوق مثل حرية العبادة، حرية الصحافة"[2]، لذا فقد أكتسب هذا الحق أهمية بالغة بالنسبة للفرد والجماعة، من أجل ذلك فقد أولت الدولة الوطنية والمنظمات الدولية والحقوقية هذا الحق أهمية بالغة كذلك من خلال سن القوانين والتشريعات التي تحفظ للإنسان كفرد وجماعة حقه في التعبير عن رأيه بكل حرية ودون أي مضايقة، وعلى الرغم من ذلك فقد برزت فجوة كبيرة بين تلك القوانين والتشريعات وبما هو ملموس على أرض الواقع، بمعنى وجود فجوة بين النظرية والتطبيق، ومن بين الدول التي تعاني من وجود واتساع تلك الفجوة "الجمهورية اليمنية"، فبرغم مصادقتها على القوانين الدولية والإقليمية التي تحفظ هذا الحق، ونص تشريعاتها وقوانينها الداخلية على كفالته، فأن الواقع ومنذ تأسيس الجمهورية عام 1990 يحكي غير ذلك وأن حصل تفاوت في انتهاك هذا الحق بين حين وآخر، بناءً على ما سبق سيسلط تقرير هذه الدراسة[3] الضوء على الاطار القانوني المتعلق بحق حرية الرأي والتعبير في كل من الشرعة الدولية والإقليمية والوطنية الخاصة بالجمهورية اليمنية و مقارنتها ببعضها البعض، بالإضافة الى تتبع كيفية تعامل الحكومات اليمنية المتعاقبة مع هذا الحق منذ العام 1990 وحتى العام 2022م.

 

أولاً: الإطار القانوني لحرية الرأي والتعبير

يشير الإطار القانوني لحق حرية الرأي والتعبير الى التشريعات والقوانين الدولية والإقليمية وكذا الوطنية الخاصة بالدولة محل الدراسة، التي تنص على كل ما يتعلق بهذا الحق تعريفاً له وتوضيحاً لحدوده وكيفية ضمانه وحفظه، ومقارنة النصوص المتعلقة في هذا الحق في التشريعات الثلاثة السابقة والتطرق الى الاتفاقيات ذات الصلة بهذا الحق، بناءً عليه سيتم تناول هذا الإطار القانوني وفق الآتي:

أ- الشرعة الدولية

ينصب التركيز في الشرعة الدولية بشكل أساسي الى الإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948م، والعهدين الدوليين للحقوق السياسية والمدنية وللحقوق الاجتماعية والاقتصادية عام 1966م بالإضافة الى الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالحق.

  • الإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948

            ينص الإعلان العالمي لحقوق الانسان بأن: " لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الانباء والأفكار وتلقيها ونقلها الى الأخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود"[4].

            تبين أن الاعلان العالمي لحقوق الانسان قد نص على حق التمتع بحرية الرأي والتعبير لأي فرد وبأي وسيلة دونما اعتبار للحدود التي قد تحول دون ذلك.

  • العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966م

نصت ثلاث فقرات من الجزء الثالث من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فيما يخص حرية الرأي والتعبير أن : "1-لكل انسان حق في اعتناق الآراء دون مضايقة. 2-لكل انسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها الى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب او مطبوع او في قالب فني او بأي وسيلة أخرى يختارها.3-تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز اخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة ان تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم. (ب)لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة[5]".

يلاحظ أن الفقرات الثلاث في العهد قد أكدت ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الانسان فيما يخص حرية الرأي والتعبير خصوصاً الفقرة الثانية، بيد أنها لم تنص على (التمتع) كما جاء في الإعلان واقتصرت على التأكيد على حق حرية التعبير، بالإضافة إلى إجازة الفقرة الثالثة إخضاع حرية الرأي والتعبير لبعض القيود وفقاً للشرطين المنصوص عليهما في نفس الفقرة.

  • العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية 1966م

لم ينص هذا العهد والذي أقر في 16من فبراير 1966م ودخل حيز التنفيذ في 23من مارس 1976م في مواده على ما يتعلق بحق حرية الرأي والتعبير كونه ليس محل اختصاصه.

  • الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحق حرية الرأي والتعبير

ينص الميثاق الافريقي لحقوق الانسان  على أن" من حق كل فرد أن يحصل على المعلومات، ويحق لكل انسان أن يعبر عن أفكاره وينشرها في إطار القوانين واللوائح"[6].

وتنص الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان أن" لكل انسان الحق في حرية الفكر والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها للآخرين، دونما اعتبار للحدود، سواء شفاهة أو كتابة أو طباعة أو في قالب فني أو بأي وسيلة يختارها...."[7].

كما تنص الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان أن " لكل انسان الحق في حرية التعبير، هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقي وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة، وبصرف النظر عن الحدود الدولية، وذلك دون إخلال بحق الدولة في تطلب الترخيص بنشاط مؤسسات الإذاعة والتلفزيون والسينما"[8].

وينص اعلان رابطة أمم جنوب شرق آسيا لحقوق الإنسان أن " لكل انسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في إبداء الآراء دون تدخل وطلب المعلومات والحصول عليها ونقلها على شكل مكتوب أو مطبوع أو بأي وسيلة أخرى يختارها"[9].

مما سبق يتضح أن جميع الاتفاقيات الدولية قد رعت حق حرية الرأي والتعبير وأولته اهتمامها مؤكدتاً لما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، من خلال اتفاقها على مبدئين رئيسيين بالنسبة للحق متمثلين في 1- الحق في اعتناق الآراء والحصول على المعلومات أياً كانت.  2- الحق في اختيار أي وسيلة للتعبير عن الآراء.  واختلافها حول حدود ذلك الحق ما بين من لا يولي اعتبار لحدود ممارسته وبين مقيد له وفقاً للقوانين واللوائح التي تضعها الدول.  

 

ب-الشرعة الإقليمية

ترتكز الشرعة الإقليمية لحقوق الانسان في الجمهورية اليمنية على كلاً من:

  • اعلان القاهرة لحقوق الانسان 1969

نص إعلان القاهرة لحقوق الانسان فيما يخص حرية الرأي والتعبير مادة تناولت الحق بالتفصيل في أربع فقرات وفق النص الآتي: "(أ) لكل إنسان الحق في حرية الرأي والتعبير، باعتبارها جزءا ً لا يتجزأ من حقوق الانسان المتعارف عليها دوليا ً، وتستتبع ممارسة هذا الحق واجبات ومسؤوليات خاصة. (ب) على الدولة واجب حماية وتيسير ممارسة هذا الحق وفي الوقت نفسه صون سلامتها الوطنية المشروعة والحفاظ على مصالحها وتعزيز الوئام والرفاهية والعدالة والمساواة في المجتمع. (ج) تخضع ممارسة هذا الحق لبعض القيود، ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون مقتصرة على الحالات التالية: 1-الدعاية للحرب.2-الدعوة للعنف أو الكراهية على أساس الدين أو المعتقد، أو الجنسية أو العرق، أو القومية أو اللون، أو اللغة، أو الجنس، أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي.3- احترام حقوق الانسان أو عدم الإساءة الى سمعة الغير. 4- ما يتصل بالأمن الوطني والنظام العام من أمور.5- ما يلزم من تدابير لحفظ الصحة العامة والأخلاق ومنع الفوضى والجريمة.(د) تعمل الدولة على نشر وإشاعة مبادئ الإخاء والتسامح والعدالة وغيرها من المبادئ والقيم النبيلة، علاوة على نبذ جميع مشاعر الكراهية والبغضاء والتطرف، ولا ينبغي أن تستخدم حرية التعبير لانتهاك المقدسات والإساءة لحرمة الأنبياء والديانات والرموز الدينية أو الانتقاص من القيم المعنوية والأخلاقية للمجتمع[10].

جاء إعلان القاهرة لحقوق الإنسان ليؤكد بالنص أن لكل إنسان الحق في حرية الرأي والتعبير باعتباره حق طبيعيا متعارف عليه دولياً، بيد أنه الحق هذا الحق بمسؤوليات وواجبات مترتبة على ممارسته، ووضع له قيود وحددها في نص الإعلان مستنداً في ذلك كله لما جاء في الشريعة الإسلامية.

  • الميثاق العربي لحقوق الانسان 2004

وقد أكد الميثاق العربي لحقوق الانسان الذي استضافته تونس في 23 مايو 2004 فيما يخص حرية الرأي والتعبير على الاتي:" (1) يضمن هذا الميثاق الحق في الاعلام وحرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استقاء الانباء والأفكار وتلقيها ونقلها الى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية. (2) تمارس هذه الحقوق والحريات في اطار المقومات الأساسية للمجتمع ولا تخضع الا للقيود التي يفرضها احترام حقوق الاخرين أو سمعتهم أو حماية الامن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة[11].

نلاحظ أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان قد ضمن حق حرية الرأي والتعبير الى جوار الحق في الإعلام تحت إطار المقومات الأساسية للمجتمع محدداً لقيود ممارسة ذلك الحق في الفقرة رقم (2)، وعليه فلم يختلف كثيراً ما جاء في الميثاق العربي لحقوق الإنسان عما جاء في المواثيق الدولية السابقة فيما عدا قضية إطار ممارسة ذلك الحق وإخضاعه لبعض القيود.

 

ج- الشرعة الوطنية

            أكد الدستور اليمني الصادر عام 1991م في الباب الثاني المتعلق بحقوق وواجبات المواطنين الأساس فيما يخص حق حرية الرأي والتعبير الآتي:
" لكل مواطن حق الاسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والاعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون[12]،وقد أجريت لهذا الدستور تعديلات في العام 1994و العام 2001 إلا أنها لم تمس المواد المتعلقة بحق حرية الرأي والتعبير بالزيادة أو النقصان[13].

وبعد ثورة الشباب 2011، وفي مؤتمر الحوار الوطني يقرر فريق الحقوق والحريات " ان حرية الفكر والرأي مكفولة ومن حق كل فرد التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو الرسم أو الإشارة أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبير، كما لا يجوز حبس شخص او صحفي على ذمة رأي، كما لا يجوز اكراه أي فرد على البوح بآرائه وأفكاره ، وقناعاته بأي شكل من الاشكال"[14].

ليتم بعد ذلك عكس تلك القرارات على مسودة دستور 2015 في ثلاث مواد تتعلق بحق حرية الرأي والتعبير وهي: "المادة الأولى: 1- لكل انسان الحق في حرية المعتقد والضمير والفكر والرأي بما لا يخالف الدستور، ويجرم فرض أي رأي أو فكر أو معتقد على أي إنسان بالقوة. المادة الثانية: الحق في التعبير عن الآراء والخيارات السياسية مكفول للجميع من خلال التجمعات العامة والمسيرات، والمظاهرات والاضرابات والاعتصامات وكل أشكال الاحتجاجات السلمية، دون سلاح، وبمجرد الاخطار المسبق، على الا يترتب على ذلك اضرار بالممتلكات والمصالح العامة أو الخاصة، وبحقوق وحريات الآخرين، ويحظر أي تعطيل لهذه الحقوق أو الانتقاص منها، بأي صورة من الصور. المادة الثالثة: حرية التعبير عن الرأي، وحرية الحصول على المعلومات أو الأفكار وحرية الابداع الادبي والفني والثقافي وحرية البحث العلمي وحرية انتقاد أداء مؤسسات الدولة مكفول لكل شخص[15]."

وقد أكد القانون اليمني الخاص بحرية الصحافة والمطبوعات في الفصل الثاني تحت بند المبادئ العامة على أن: "حرية المعرفة والفكر والصحافة والتعبير والاتصال والحصول على المعلومات حق من حقوق المواطنين لضمان الاعراب عن فكرهم بالقول والكتابة او التصوير او الرسم او بأي وسيلة أخرى من وسائل التعبير، وهي مكفولة لجميع المواطنين وفق أحكام الدستور وما تنص عليه أحكام هذا القانون"[16].

مما سبق نلاحظ أن الشرعة الوطنية الخاصة بالجمهورية اليمنية أكدت نصوصها الدستورية والقانونية على ضمان وكفالة حرية الرأي والتعبير بأي وسيلة وفق القانون دونما إضرار بالحقوق العامة للمجتمع أو أي من ممتلكات الدولة.

 

ثانياً: تعاطي الحكومات اليمنية المتعاقبة مع حرية الرأي والتعبير (1990- 2022)

            تبين لنا بعد النظر في الإطار القانوني لحرية الرأي والتعبير كفالة وصيانة الشرعة الدولية والإقليمية والوطنية لحرية الرأي والتعبير، وقد صادقت الجمهورية اليمنية كونها جزء لا يتجزأ من المجتمع الدولي على كل من الشرعة الدولية والإقليمية بغض النظر عما إذا كانت قد صادقت عليها عن رضاء أو نتيجة لضغوط خارجة عن إرادتها، وعكستها على نصوصها الدستورية والقانونية في الشرعة الوطنية، الامر الذي يستوجب منها الالتزام بما وقعت وصادقت عليه كذا تحمل تبعات أي ممارسة تعد انتهاك لحرية الرأي والتعبير.

ففيما يخص الشرعة الدولية فقد صادقت الجمهورية اليمنية على الإعلان العالمي لحقوق الانسان في 9 من فبراير من العام  1986[17]، وعلى  كل من العهدين الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية في 29 من فبراير 1987م[18]، وفيما يخص الشرعة الإقليمية فتعتبر اليمن من ضمن السبع الدول العربية التي صادقت على الميثاق العربي لحقوق الانسان بموجب القانون رقم (45) لسنة 2008 بشأن المصادقة عليه[19].

وحتى نتتبع مدى التزام الجمهورية اليمنية بما صادقت عليه، وبما نصت عليه نصوصها الدستورية والقانونية فيما يخص حرية الرأي والتعبير نستعرض تعاطي الحكومات المتعاقبة مع حرية الرأي والتعبير عبر فترات ارتبطت بلحظات فارقة إما على المستوى الدولي أو على المستوى الوطني منذ إعلان الوحدة 22ماير/أيار 1990 وحتى عام 2022م.

أولاً: حكومة الوحدة لعام 1990، حيدر أبوبكر العطاس 16/ يونيو.

أشار برنامج حكومة الوحدة 1990م ضمن الخدمات الاجتماعية تحت قسم الإعلام إلى الأهمية البالغة في المرحلة المقبلة الى تعميق الأسس الديمقراطية وحرية الرأي والرأي الأخر وتجنيدها جميعا لغايات البناء الوطني الشامل...والاهتمام بتطوير الصحافة الوطنية حتى تؤدي دورها ورسالتها الإعلامية بما يتواءم والمفاهيم الوطنية والديمقراطية التي تركز عليها الجمهورية اليمنية[20]،....

ثانياً: الحكومة الائتلافية 1993، حيد أبو بكر العطاس، 4 يوليو.

في الفقرة رقم (1) تحت قسم الإعلام ضمن تنمية الخدمات الاجتماعية والثقافية لبرنامج الحكومة الائتلافية لعام 1993م أن يكون الاعلام بأجهزته المرئية والمسموعة والمقروءة ملكاً للمجتمع وحقا من حقوقه وأن يكون موظفا لخدمة غايات الجماهير ومعبرا عن الالتزام الصادق والمسؤول بمبدأ حرية الرأي والتعبير واحترام الرأي والرأي الآخر وإبراز خصائص مجتمع التعددية السياسية والحزبية ومقوماته الجديدة[21]

ثالثاً: حكومة 1997م، فرج بن غانم، 14مايو.

أكدت حكومة بن غانم في برنامجها في مجال الحريات وحقوق الانسان احترامها وحمايتها للحريات العامة وحقوق الانسان التي كفلتها الشريعة الإسلامية السمحاء وأكد عليها الدستور ونصت عليها المواثيق الدولية من خلال تنفيذ وتحقيق مجموعة من الإجراءات الرادعة لكل من يقيد أو يعتدي على الحريات العامة للمواطنين مع استكمال القوانين والتشريعات التي تضمن وتدعم الحريات العامة بالإضافة الى المساهمة في دفع المواطنين على التمتع بحقوقهم والتي منها كما أشار اليها البرنامج ( تشجيع إصدار الصحف والمجلات للمساهمة في حرية الرأي والفكر)[22]

رابعاً: حكومة المؤتمر الشعبي العام، 1998، عبد الكريم الإرياني، يونيو

لم يتطرق برنامج حكومة الإرياني بالنص الى حرية الرأي والتعبير لكنه أشار الى ضمان وصيانة حقوق الانسان تأكيدا لما ورد في ميثاق المؤتمر الشعبي العام ووفقا للدستور والقوانين النافذة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية اليمنية

خامساً: حكومة 2001م، عبد القادر باجمال، إبريل

في المحور الثاني من برنامج حكومة باجمال 2001 في مجال التنمية البشرية أكد البرنامج على حرية الصحافة والنشر وترسيخ مبدأ حرية الرأي والتعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان وتشجيع إقامة المؤسسات الأهلية الحديثة في مجال الصحافة والطباعة والنشر[23].

سادساً: حكومة 2003م، عبد القادر باجمال، 17 مايو

تأكيداً للمبادئ والممارسة لتطبيق حقوق الانسان نص برنامج الحكومة لعام 2003م على التوسع في الممارسة الديمقراطية تأكيداً لاحترام تعدد الرأي وعدم احتكار الحقيقة واحترام الحقوق السياسية للمعارضة في المنافسة والتعبير عن آراءها بكافة الأساليب التي كفلها القانون. بالإضافة الى الإشارة الى ضرورة تعزيز دور الصحافة[24].

سابعاً: حكومة الوفاق الوطني 2011م، محمد سالم باسندوة، 7 سبتمبر

تحت بند الخدمات الحكومية الأخرى ضمن مجال الإعلام أكد برنامج حكومة الوفاق الى ضرورة تعزيز وضمان حرية الرأي والتعبير وحمايتها بالتشريعات القانونية من خلال استكمال اصدار القوانين والتشريعات المتعلقة بحرية الاعلام ويشمل ذلك اصدار قانون الاعلام السمعي والبصري والالكتروني بما يتيح للقطاع الخاص انشاء قنوات فضائية (تلفزيونية، إذاعية، الكترونية) بالإضافة الى توسيع مساحة الراي والرأي الآخر في الاعلام المرئي والمسموع والمقروء[25].

ثامناً: حكومة الشراكة الوطنية 2014م، خالد محفوظ بحاح، 7 نوفمبر

لم تشر حكومة الشراكة الوطنية في برنامجها إلى حرية الرأي والتعبير[26]، فقد كان جل تركيز الحكومة على تنفيذ اتفاق السلم والشراكة.

وبعد العام 2014م ومع دخول جماعة الحوثي العاصمة صنعاء، دخلت اليمن في مرحلة من الانقسام والتشظي الأمر الذي أفضى إلى تشكل حكومتين الأولى تتبع السلطة الشرعية المعترف بها دوليًا ومقرها العاصمة المؤقتة عدن، والأخرى تتبع جماعة الحوثي تحت مسمى حكومة الإنقاذ الوطني ومقرها العاصمة صنعاء، ولأن كليهما نشأتا في ظروف حرب فلم ينص برنامج أيًا منهما على ما يخص حرية الرأي والتعبير[27].

مما سبق يتبين لنا أن الحكومات اليمنية المتعاقبة أغلبها قد تضمنت برامجها الإشارة والتأكيد على حرية الرأي والتعبير، والحكومات التي لم تشر ولم تؤكد على ذلك ينبع من أولوية المرحلة والفترة التي تشكلت فيها الحكومة والتي تستدعي التركيز على أمور ذات أولوية من وجهة نظر الحكومة على التركيز على حرية الرأي والتعبير، وذلك إن دل إنما يدل على أن الحكومات اليمنية المتعاقبة وفي إطارها الشكلي قد التزمت بالمواثيق الدولية والإقليمية والوطنية التي تنص على رعاية وكفالة حرية الرأي والتعبير، بيد أن الممارسة على أرض الواقع تظهر غير ذلك؛ حيث يلاحظ أن حرية الرأي والتعبير في الجمهورية اليمنية منذ إعلان الوحدة مايو 1990 حتى العام 2022 قد أخذت منحنى تصاعدي في مجال انتهاك حرية الرأي والتعبير؛ حيث كانت تمر اليمن بأحداث وطنية وأخرى دولية تنعكس سلباً على حرية الرأي والتعبير، فبعد إعلان الوحدة مايو 1990 والذي تزامن مع انحلال النموذج الاشتراكي وسعي النموذج الديمقراطي للانتشار عبر الأداة الأمريكية الضاغطة، فقد خيمت نوع من الديمقراطية على الساحة اليمنية وأُعطي المواطن اليمني مساحة من الحرية، تمكن من خلالها انشاء صحف مستقلة ومعارضة تبنت صوتاً حاداً لم يكن مسموعاً من قبل في المنطقة، وخلال نفس الفترة صادقت اليمن على العديد من المعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان كالعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، بيد أن هذه الفترة لم تدم طويلاً فسرعان ما تبدل الحال، بداية إبان 1994 كنوع من الضغوطات التي تطال النشطاء المبررة بقانون الصحافة والمطبوعات لسنة 1990 لتزداد وتيرتها، عقب هجمات 11 من سبتمبر من العام 2001؛ حيث تبنت الحكومة اليمنية قانون محاربة الإرهاب مستغلةً أيها في قمع المعارضين والتضييق على الصحفيين والنشطاء، وسحب تراخيص قنوات إعلامية معارضة للسلطة الحاكمة الأمر الذي أدى إلى تراجع اليمن في مؤشر حرية الصحافة في اليمن من المرتبة 103 من 168 في العام 2003 الى المرتبة 140 في العام 2006، يعود ذلك إلى ارتفاع حدة الانتهاكات التي تمارس ضد الصحفيين ونشطاء الرأي والتعبير في العام 2004 إبان الحرب التي كانت تخوضها الحكومة مع جماعة الحوثي المسلحة[28]،  وفي 19 من ابريل 2006 حاولت سيارة تابعة لزرارة الداخلية خطف الصحفية نبيلة الحكيمي. وفي 2 من يوليو تم قتل عبده العسيلي وهو صحفي وسكرتير تقني في جريدة النهار نتيجة لمقال نشره ينتقد مسؤولين حكوميين، وهكذا أخذت اليمن كما اسلفنا تأخذ منحى تصاعدي في مجال انتهاك حرية الرأي والتعبير[29]، بلغ الأمر ذروته بإنشاء محكمة استثنائية في عام 2009 للنظر فيما يسمى جرائم الصحافة والتي حسب وصف الحكومة جاءت نتيجة لانتهاك الخطوط الحمراء التي تضعها وعلى رأسها الانتقاد الموجه لشخص رئيس الجمهورية![30] في مخالفة لنص المادة 148 من الدستور اليمني[31].

استمرت حقوق الإنسان في اليمن بالتدهور وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير الأمر الذي أدى بالتلازم مع وجود عوامل أخرى إلى تفجر الوضع واندلاع ثورة 11من فبراير في العام 2011 فيما يعرف بثورة الربيع العربي، لتدخل معها حرية الرأي والتعبير مرحلة أخرى ليست أفضل من الأولى فقد أفادت نقابة الصحفيين اليمنيين مقتل أكثر من 16 صحفياً منذ العام 2011 وحتى العام [32]2015 وهي نفس السنة التي دخلت فيها جماعة الحوثي العاصمة صنعاء واستولت على السلطة إلى غيرها من حالات التعذيب والإخفاء القسري.

بدخول جماعة الحوثي العاصمة صنعاء والاستيلاء على السلطة تجزأت اليمن إلى ثلاثة أجزاء جزء تسيطر عليه الجماعة ويقبع فيه غالبية سكان الجمهورية اليمنية وجزء أخر تسيطر عليه الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً والجزء الأخير تحت سيطرة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً، وبذلك أصبحت حرية الرأي والتعبير تتجاذبها الأطراف الثلاثة مستعملة المطرقة والسندان في انتهاكه وإن اختلفت الأساليب والمبررات من طرف لأخر، لترتفع حالات قتل الصحفيين إلى 50 حالة من العام 2011 وحتى ديسمبر 2022، توزعت بين الأطراف الثلاثة السابقة بالإضافة الى نسبة بسيطة لأطراف أخرى[33]، إلى غير ذلك من حالات التعذيب والاعتداء والاعتقال التعسفي طالت حتى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي[34].

 

خاتمة:

            تبين لنا بعد استعراض هذا التقرير أنه ثمة هناك فجوة تأخذ في الاتساع مع مرور الوقت بين النظرية والتطبيق فيما يخص حقوق الإنسان عامة وحرية الرأي والتعبير خاصة، فنلاحظ أن اليمن بدساتيرها وقوانينها وبرامج حكوماتها تحض على كفالة حق حرية الرأي والتعبير إلا أنها تعكس نقيض ذلك في ناحية التطبيق والممارسة متخذة القيود التي وضعها القانون مبرراً لانتهاكاتها تارةً وضاربة بالقوانين والتعهدات عرض الحائط تارةً أخرى، إذا ما تم المساس بمصالح أصحاب النفوذ في السلطة، ويظل القلم واللسان مصدر قلق يساور السلطة الحاكمة فهي إما أن تستفيد منه لتقويم سلوكها والوقوف على عيوبها، أو تكسر القلم وتلجم اللسان وتستمر في ممارسة القمع والانتهاك، ويظل قيام دولة مدنية تؤمن بالديمقراطية وتكفل الحقوق والحريات لجميع مواطنيها حلم يسعى الوصول اليه أصحاب الفكر والرأي والتعبير ولا بد من نيل مبتغاهم يوماً ما ويمارسوا حقهم في التعبير بكل حرية.

 

التوصيات

يخلص التقرير إلى بعض التوصيات في سبيل تعزيز حرية الرأي والتعبير في اليمن، يمكن أن نوجزها في الآتي:

  • لا بد للحكومات اليمنية أن تعكس التزاماتها التي تنص عليها في رامجها فيما يخص حرية الرأي والتعبير على أرض الواقع وأن يطابق الفعل القول.
  • ينبغي صياغة القوانين التي تضمن حرية الرأي والتعبير واستقاء المعلومات ونشرها بأي وسيلة مشروعة.
  • لا بد أن تفهم السلطة والحكومات أن حرية الرأي والتعبير تساعد على تقويم أدائها من خلال إبراز الاختلالات والا تفهم أنه يستهدف سلطتها.
  • لابد للحكومات أن تعمل على توفير بيئة تنظيمية وقانونية تسمح بظهور قطاع اعلامي متعدد الآراء ومنفتح.
  • يفترض أن يُحيد الصحفيين والنشطاء الإعلاميين والاجتماعيين عن الصراعات بين الأطراف.
  • على الأطراف المتنازعة سرعة إطلاق سراح نشطاء الرأي والتعبير من سجونها وإيقاف آلة التعذيب في حقهم.

 

[1] للتواصل مع الباحث عبر البريد الألكتروني [email protected]

[2] آمال حديدي،  محمد بوهالي، حرية الرأي والتعبير في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، الجزائر، جامعة محمد بوضياف- المسيلة، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر، 2019/2020م، ص 18، 19.

[3] أشرف على هذه الدراسة، الأستاذ عبد الحميد حميد جريد المعيد بقسم العلوم السياسية بجامعة صنعاء.

[4] الأمم المتحدة، الإعلان العالمي لحقوق الانسان، مادة رقم 19، https://2u.wpaCxN  شوهد بتاريخ 29/ 1/ 2023.

[5] الأمم المتحدة، حقوق الانسان، مكتب المفوض السامي، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مادة رقم 19، https://2u.pw/SJXLG ، شوهد بتاريخ 19/1/2023م.

[6] الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب، جامعة منيسوتا: مكتبة حقوق الانسان، الجزء الأول: الحقوق والواجبات، المادة 9، https://2u.pw/IDQZc  ، شوهد بتاريخ 26/2/2023م.

[7] الاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان، جامعة منيسوتا: مكتبة حقوق الانسان، المادة رقم 13، https://2u.pw/IZjKvR ، شوهد بتاريخ 26/ 2/ 2023م.

[8] الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان، جامعة منيسوتا: مكتبة حقوق الانسان، المادة 10 فقرة رقم 1، https://2u.pw/72wx2  ، شوهد بتاريخ 26/2/2023م.

[9] سلسلة الوحدات التعليمية الجامعية: مكافحة الإرهاب، الوحدة التعليمية 13، اعلان رابطة أمم جنوب شرق أسيا، المادة رقم 23، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، https://2u.pw/efzVd9 ، شوهد بتاريخ 26/ 2/ 2023م.

[10] إعلان القاهرة لمنظمة التعاون الإسلامي لحقوق الانسان، اللجنة العليا الدائمة لحقوق الانسان، المادة التاسعة عشرة https://2u.pw/yfzIbb ، شوهد بتاريخ 29/1/2023م.

[11] الميثاق العربي لحقوق الانسان، النسخة الاحدث، جامعة منيسوتا: مكتب حقوق الانسان، مادة رقم 32، https://2u.pw/WI4C7i ، شوهد بتاريخ 29/1/ 2023م.

[12] دستور الجمهورية اليمنية 1991م، المادة رقم 42، المركز الوطني للمعلومات، https://2u.pw/NMbCEI ، شوهد بتاريخ 30/1/2023م.

[13] للتأكد انظر دستور الجمهورية اليمنية المعدل عام 1994وعام 2001، المركز الوطني للمعلومات، مصدر سابق.

[14] وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل، فريق الحقوق والحريات، قرار رقم 62، 63، 2013-2014، ص 191.

[15] مسودة دستور اليمن الجديد، الحقوق والحريات، المادة رقم 82، 83، 84، الأمانة العامة للحوار الوطني، اليمن 2015، www.ndc.ye ، ص 21، 22

[16] القانون اليمني، قانون حرية الصحافة والمطبوعات، مادة رقم 3، 1990م،المركز الوطني للمعلومات، https://2u.pw/sTO2y  شوهد بتاريخ 30/1/2023م.

[17] تقرير الجمهورية اليمنية الخاص بحقوق الانسان المقدم لمجلس حقوق الانسان، مايو/ 2009، المركز الوطني للمعلومات، https://2u.pw/u3E9Zi  شوهد بتاريخ 7/3/ 2023م.

[18] الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي وقعت عليها اليمن، المركز الوطني للمعلومات، https://2u.pw/nBQaC7 ، شوهد بتاريخ 7/3/2023م.

[19] جبران حرمل، واقع حقوق الانسان في اليمن بين النظرية ، مركز الوحدة العربية للدراسات، https://2u.pw/oGEbwy ، شوهد بتاريخ 7/3/2023م.

[20] مصدر سابق، المركز الوطني للمعلومات

[21] مصدر سابق، المركز الوطني للمعلومات

[22] مصدر سابق، المركز الوطني للمعلومات

[23] مصدر سابق، المركز الوطني للمعلومات

[24] مصدر سابق، المركز الوطني للمعلومات

[25] مصدر سابق، المركز الوطني للمعلومات

[26] مصدر سابق، المركز الوطني للمعلومات

[27] وكالة الأنباء اليمنية سبأ، "مجلس النواب يمنح حكومة الإنقاذ الوطني الثقة"، شوهد بتاريخ 29/4/2023، على الرابط www.saba.ye/ar/news448871.htm      

[28] جويل كبمانا، أوضاع الصحافة في اليمن، مارس 2006، شوهد بتاريخ 24/4/2023،على الرابط https://2u.pw/1V1y5m .

[29] سارة الريشاني،" اليمن: حرية التعبير في حال الخطر"، كانون الثاني 2008، ARTICLE19، الحملة العالمية لحرية التعبير، ص 10، 19

[30] محمد عبد الدايم، قمع وحشي مقنع بالقانون في اليمن، سبتمبر 2010، شوهد بتاريخ 24/4/ 2023، على الرابط https://2u.pw/1V1y5m .

[31] تنص المادة على أنه "لا يجوز انشاء محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال".

[32] القدس العربي، اليمن مقتل 50 صحفياً منذ 2011 ورصد 92 حالة انتهاك حريات إعلامية خلال 2022، عدن، يناير/2023،

[33] يمن فيوتشر، "نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقريرها السنوي لعام 2022م"، 10/1/2023، شوهد بتاريخ 20/6/2023م، على الرابط https://yemenfuture.net .

[34] للاطلاع أكثر، أنظر "تعاطي أطراف النزاع في اليمن مع حرية الرأي والتعبير(2014-2022)"، منظمة مساءلة لحقوق الإنسان على الرابط https://www.musaala.org/ar/articles/blogs/yemen-conflict-and-freedom-of-speech .

Related Posts