فتاة يمنية تُقاوم قسوة النزوح بشغف التصوير

فتاة يمنية تُقاوم قسوة النزوح بشغف التصوير
فتاة يمنية تُقاوم قسوة النزوح بشغف التصوير

قصة نجاح سُندس: من نازحة إلى رائدة أعمال

فؤاد المجيدي – صحفي يمني

في مدينة صنعاء، حيث عبق التاريخ يتناغم مع ضجيج الحياة، نشأت سندس - فتاة يمنية في العشرينات من عمرها محاطة بجمال الطبيعة وحيوية المدينة - إلا أن الحرب الدائرة في البلاد فرضت عليها ترك منزلها والنزوح إلى مدينة مأرب، لتستقر فيها منذ ثمان سنوات.

سندس فتاة انجذبت إلى عالم التصوير بشغف منذ طفولتها، حيث رأت فيه وسيلة لتوثيق اللحظات الجميلة وتحويلها إلى ذكريات، ورغم التحديات التي واجهت سندس بفعل النزوح كأي نازح ترك خلفه ذكريات طفولته ومنزله الأمن، إلا أنها لم تدع الظروف تقف حائلا بينها وبين شغفها، بل اتخذت منها أداة لمقاومة الصعاب وتحقيق حلمها.

هي واحدة من ألاف الفتيات اللواتي واجهن ويلات الحرب وقساوة النزوح،وفقدن حقوقهن الأساسية من بينها الحق في التعليم وتحقيق أحلامهن،لكن وبدلاً من الاستسلام اختارت سندس مساراً مختلفاً، فقد انطلقت نحو شغفها، مستخدمة هاتفها الذكي لالتقاط اللحظات الجميلة للعائلة والأحباء،وبإصرار واصلت صقل مهاراتها في التصوير من خلال التعلم المستمر.تشارك سندس تجربتها قائلة: "بدأت رحلتي بتصوير الطبيعية وما يحيط بي من جمال ونشرها على صفحتي في فيسبوك، ونالت صوري إعجاباً وتفاعلاً واسع، ما شجعني على المضي قدما في هذا المجال". فأتقنت مهارات التصوير وتعرفت على أسرار الكاميرا قبل خمسة أعوام"

لم تكتف سندس بممارسة شغفها بالتصوير وتوثيق اللحظات الجميلة عبر هاتفها، بل قررت تحويل هذا الشغف إلى مشروع يخدم مجتمعها في مدينة مأرب. تقول سندس: "من خلال ممارستي للتصوير لامست احتياجاً ملحاً لوجود استوديوهات تصوير نسائية في مأرب، تتيح للنساء فرصة الحصول على صور احترافية في بيئة مريحة وأمنة".

وتضيف: "رأيت في ذلك فرصة مميزة لتنمية مهارتي وتلبية احتياجات النساء في نفس الوقت، فبدأت بدارسة جدوى افتتاح مشروع استوديوتصوير خاص بالنساء وخططت لكل التفاصيل".

لم يكن أمر افتتاح أستوديو خاص بالنساء في محافظة مأرب، أمراً سهلاً،فهناك الكثير من التحديات، خاصة مع قلة العقارات وارتفاع أسعارها،فكانت المشكلة الأبرز التي واجهت سندس العثور على محل مناسب وبسعر إيجار معقول، يتناسب مع مشروعها، بالإضافة إلى توفير معدات التصوير وارتفاع تكاليفها. 

لكن عزيمة سندس وإصرارها لم ينكسرا أمام هذه التحديات، حيث أقدمت على تحويل غرفة من منزل عائلتها إلى استديو خاص بها، وافتتحته في فبراير 2023م، وأطلقت عليه اسم (فوتو آرت) ليصبح ملاذاً أمناً للنساء لتوثيق ذكرياتهن الجميلة، ولم تقف فكرة مشروعها عند هذا الحد، لكنها عملت على توسيع خدماته لتشمل التصوير والتصميم وتأجير الأزياء التراثية وتوثيق المناسبات والحفلات المختلفة الخاصة بالنساء.

بدأت سندس في استقبال عملائها من النساء والأطفال، وسرعان ما حظي أستديو سندس برواج واسع بين النساء في محافظة مأرب، كونه مساحة أمنة، وبكادر نسائي، ومخصص للنساء والأطفال.

تقول جواهر وهي فتاة مأربيه، وإحدى زبائن فوتو ارت: " كنت أتمنى منذ زمن طويل التقاط صور تذكارية احترافيه لكن لم أتمكن من ذلك لعدم وجود أستوديوهات خاصة بالنساء في مأرب، ولحسن حظي، عرفت بسندس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، واخترتها لتوثيق ذكرى تخرجي من الجامعة".

وتضيف جواهر: "لم تعد النساء محرومات من توثيق لحظاتهن الجميلة،فاستديو سندس وفر لنا بيئة أمنة ومريحة لالتقاط صور احترافية وتوثيق ذكرياتنا الجميلة، وتؤكد على أهمية وجود أماكن مخصصة للنساء مثل أستوديوهات التصوير والكافيات وغيرها".

سمية النهاري، إعلامية وناشطة في مأرب تقول: " زرت استديو سندس أكثر من مره، شعرت براحة كبيرة أثناء التصوير، وما يميز استوديو سندس هو اهتمام سندس بالتصوير الدائم، وتغييرها للديكور حسب المناسبة،ساعدني ذلك على توثيق اللحظات العائلية الجميلة والشعور بالخصوصية التامة كأنثى".

وتؤكد سمية أن النساء في مأرب بحاجة إلى المزيد من المساحات الآمنة التي تتيح لهن التعبير عن أنفسهن وممارسة أنشطتهن بحرية، وأن النزوح أثرعلى الكثير من الفتيات وفقد الكثير منهن حقهن في التعليم ومواصلة أحلامهن وشغفهن بالحياة، وتضيف أن المرأة يجب أن تكون قوية وتسعى لتحقيق حلمها حتى من المنزل ولا تستلم للظروف التي فرضتها الحرب.

تُجسد قصة سندس روح الفتاة اليمنية القوية التي لا تنكسر. قصة عن شغف لا ينضب وعزيمة لا تُقهر، وعن إصرار على تحويل الأحلام إلى حقيقة على الرغم من كل التحديات. قصة تُلهم الأمل وتُؤكد على أن كل شيء ممكن إذا كان لدينا الإيمان بقدراتنا والسعي وراء أحلامنا.

يمكنكم مشاهدة قصتها المصورة عبر الرابط ادناه:

https://youtu.be/Ll-asuVc8qA?si=DGJoDZnaSkX-sPo0

** ملاحظة/ اعداد هذه القصة المصورة  يأتي ضمن مخرجات الدورة التدريبية حول كتابة التقارير والقصص الإنسانية التي نفذتها منظمة مساءلة لحقوق الإنسان في بداية مايو الماضي، والتي كان معد التقرير أحد المتدربين فيها.

Related Posts