تعاطي أطراف النزاع في اليمن مع حرية الرأي والتعبير (2014- 2022)
عبدالرحمن حسن مجمل
تندلع الحروب وتحل الصراعات في أي مكان في العالم ويكون ضحيتها الأولى هو الانسان التي تضيع حقوقه وتتشتت بين مصالح أطراف الصراع، وهذه اليمن التي تدور رحى الحرب فيها منذ ما يزيد عن ثمانية أعوام تعرضت فيها حقوق الانسان لأبشع أنواع الانتهاكات ووقفت المنظمات الدولية عاجزة عن ايقافها أو التخفيف من معاناة الشعب اليمني حيالها الا ما كلما سنحت الفرصة لها للقيام بذلك الدور، والسبب في ذلك وقوف الأطراف المتنازعة كسد منيع امام تلك المحاولات الإنسانية من قبل المنظمات الدولية.
ومن جملة الحقوق التي تعرضت للانتهاك والذي تكفله كل المنظمات الدولية والإقليمية والدستور والقوانين الوطنية للإنسان، وهو حق الرأي والتعبير، فقد تمت مصادرة حق الانسان اليمني في أن يبدي رأيه في أي شأن من شؤون بلاده التي يرى ذهاب كل أحلامه كغبار منثور بين أطماع ومصالح أطراف النزاع، وإن تجاهل كل ذلك وعبر عن رأيه وسخطه مما يحل في بلاده تعرض للاتهامات بالعمالة والخيانة للأطراف الأخرى، ولا يكتفي به الحال الى هنا بل يسوقه ممارسة ذلك الحق الى الاختفاء القسري والسجن والتعذيب.
بناءً على ما سبق ستسلط هذه المدونة الضوء على حق حرية الراي والتعبير ومدى ممارسة اليمنيين لهذا الحق في ظل أوضاع الحرب، مشيرا ً الى مدى مشروعية هذا الحق بالنسبة للشرعة الدولية ممثلة بالإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي لحقوق المدنية السياسية وأخيرا ً العهد الدولي لحقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية، كذلك مشروعية حق حرية الرأي والتعبير في الشرعة الإقليمية ممثلة باعلان القاهرة لحقوق الانسان والميثاق العربي لحقوق الانسان ثم يتم التركيز أكثر من خلال تتبع الشرعة الوطنية للجمهورية اليمنية ممثلة بالدستور والقوانين اليمنية في إقرارها لحق حرية الرأي والتعبير وبيان أوجه الاختلاف بينها وبين الشرعة الإقليمية والدولية، من ثم سيتتبع التقرير الممارسة العملية لهذا الحق من قبل الشعب اليمني وكيف تعاملت اطراف النزاع معه منذ العام (2014- 2022).
أولاً: حرية الرأي والتعبير وفق الجانب النظري:
سيتم تناول الجانب النظري لهذا الحق وفق محددات ثلاثة:
أ-الشرعة الدولية لحقوق الإنسان
نص الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والذي وقعت عليه مختلف الدول من انحاء العالم واعتمدته الجمعية العامة في 10 من ديسمبر من العام 1948 بموجب قرار رقم 217 الف بأن: " لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الأراء دون مضايقة، وفي التماس الانباء والأفكار وتلقيها ونقلها الى الأخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود"[1]، وتعتبر اليمن إحدى الدول التي صادقت على هذا الإعلان في تاريخ 9من فبراير 1986م[2]، وبناءً عليه تصبح اليمن ملتزمة بالإعلان العالمي لحقوق الانسان المتضمن لهذا الحق.
وتنص فقرات ثلاث من الجزء الثالث من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فيما يخص حرية الرأي والتعبير لسنة 1966: "1-لكل انسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.2-لكل انسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها الى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب او مطبوع او في قالب فني او بأي وسيلة أخرى يختارها.3-تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز اخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة ان تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم. (ب)لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة[3]".
لم ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والذي أقر في 16من فبراير 1966م ودخل حيز التنفيذ في 23من مارس 1976م في مواده على ما يتعلق بحق حرية الرأي والتعبير كونه ليس محل اختصاصه.
وقد صادقت اليمن على كلا العهدين الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية في 29 من فبراير 1987م[4]، وبذلك تصبح اليمن ملزمة بكلا العهدين ووجب عليها الالتزام بما جاء فيهما من مواد بما فيهما المواد المتعلقة بحق حرية الرأي والتعبير.
اتضح لنا مما سبق ان الشرعة الدولية كفلت الحق في حرية الرأي والتعبير لجميع الافراد بالتساوي دون تمييز ودون حدود لذلك الحق باستثناء أمور تتعلق بالمساس بحرية الآخرين او الامن القومي للدول.
ب-الشرعة الإقليمية
أفرد اعلان القاهرة لحقوق الانسان لما يخص حق حرية الرأي والتعبير مادة تناول فيها الحق بالتفصيل في أربع فقرات وفق النص الآتي:
"(أ) لكل إنسان الحق في حرية الرأي والتعبير، باعتبارها جزءا ً لا يتجزأ من حقوق الانسان المتعارف عليها دوليا ً، وتستتبع ممارسة هذا الحق واجبات ومسؤوليات خاصة. (ب) على الدولة واجب حماية وتيسير ممارسة هذا الحق وفي الوقت نفسه صون سلامتها الوطنية المشروعة والحفاظ على مصالحها وتعزيز الوئام والرفاهية والعدالة والمساواة في المجتمع. (ج) تخضع ممارسة هذا الحق لبعض القيود، ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون مقتصرة على الحالات التالية: 1-الدعاية للحرب.2-الدعوة للعنف أو الكراهية على أساس الدين أو المعتقد، أو الجنسية أو العرق، أو القومية أو اللون، أو اللغة، أو الجنس، أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي.3- احترام حقوق الانسان أو عدم الإساءة الى سمعة الغير. 4- ما يتصل بالأمن الوطني والنظام العام من أمور.5- ما يلزم من تدابير لحفظ الصحة العامة والأخلاق ومنع الفوضى والجريمة.(د) تعمل الدولة على نشر وإشاعة مبادئ الإخاء والتسامح والعدالة وغيرها من المبادئ والقيم النبيلة، علاوة على نبذ جميع مشاعر الكراهية والبغضاء والتطرف، ولا ينبغي أن تستخدم حرية التعبير لانتهاك المقدسات والإساءة لحرمة الأنبياء والديانات والرموز الدينية أو الانتقاص من القيم المعنوية والأخلاقية للمجتمع[5].
وقد أكد الميثاق العربي لحقوق الانسان الذي استضافته تونس في 23 مايو 2004 فيما يخص حرية الرأي والتعبير على الاتي:" (1) يضمن هذا الميثاق الحق في الاعلام وحرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استقاء الانباء والأفكار وتلقيها ونقلها الى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية. (2) تمارس هذه الحقوق والحريات في اطار المقومات الأساسية للمجتمع ولا تخضع الا للقيود التي يفرضها احترام حقوق الاخرين أو سمعتهم أو حماية الامن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة[6].
مما سبق نستنتج أن الشرعة الإقليمية كما الشرعة الدولية حضت وقوننت حرية الرأي والتعبير، الا ان الشرعة الإقليمية وخاصة إعلان القاهرة لحقوق الانسان كانت أكثر تفصيلا ً فقد أوضحت حدود وقيود هذا الحق وواجبات الدولة تجاه هذا الحق.
ج- الشرعة الوطنية
أكد الدستور اليمني الصادر عام 1991م في الباب الثاني المتعلق بحقوق وواجبات المواطنين الاساس فيما يخص حق حرية الرأي والتعبير الآتي:
" لكل مواطن حق الاسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والاعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون[7]،وقد أجريت لهذا الدستور تعديلات في العام 1994و العام 2001 الا انها لم تمس حق حرية الرأي والتعبير بالزيادة أو النقصان[8].
وبعد ثورة الشباب 2011، وفي مؤتمر الحوار الوطني يقرر فريق الحقوق والحريات " ان حرية الفكر والرأي مكفولة ومن حق كل فرد التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو الرسم أو الإشارة أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبير، كما لا يجوز حبس شخص او صحفي على ذمة رأي، كما لا يجوز اكراه أي فرد على البوح بآرائه وأفكاره ، وقناعاته بأي شكل من الاشكال"[9].
ليتم بعد ذلك عكس تلك القرارات على مسودة دستور 2015 في ثلاث مواد تتعلق بحق حرية الرأي والتعبير وهي: "المادة الأولى: 1- لكل انسان الحق في حرية المعتقد والضمير والفكر والرأي بما لا يخالف الدستور، ويجرم فرض أي رأي أو فكر أو معتقد على أي إنسان بالقوة. المادة الثانية: الحق في التعبير عن الآراء والخيارات السياسية مكفول للجميع من خلال التجمعات العامة والمسيرات، والمظاهرات والاضرابات والاعتصامات وكل أشكال الاحتجاجات السلمية، دون سلاح، وبمجرد الاخطار المسبق، على الا يترتب على ذلك اضرار بالممتلكات والمصالح العامة أو الخاصة، وبحقوق وحريات الآخرين، ويحظر أي تعطيل لهذه الحقوق أو الانتقاص منها، بأي صورة من الصور. المادة الثالثة: حرية التعبير عن الرأي، وحرية الحصول على المعلومات أو الأفكار وحرية الابداع الادبي والفني والثقافي وحرية البحث العلمي وحرية انتقاد أداء مؤسسات الدولة مكفول لكل شخص[10]."
وقد أكد القانون اليمني الخاص بحرية الصحافة والمطبوعات في الفصل الثاني تحت بند المبادئ العامة على ان: "حرية المعرفة والفكر والصحافة والتعبير والاتصال والحصول على المعلومات حق من حقوق المواطنين لضمان الاعراب عن فكرهم بالقول والكتابة او التصوير او الرسم او بأي وسيلة أخرى من وسائل التعبير، وهي مكفولة لجميع المواطنين وفق أحكام الدستور وما تنص عليه أحكام هذا القانون"[11].
مما سبق يتضح لنا ان الدستور اليمني بتعديلاته ومخرجات الحوار الوطني ومسودة الدستور الجديد والقوانين اليمنية كلها أكدت أحقية حرية الرأي والتعبير وضمنته لهم، كما هي عليه الشرعة الدولية والإقليمية وما تختلف به عن كلاهما كونها قيدت حرية الرأي والتعبير بحدود القانون، وذلك ضمان الحقوق العامة والخاصة للمجتمع اليمني، ويبقى انتهاك حدود القانون هو المبرر الوحيد للسلطة ضد نشطاء الرأي والتعبير.
ثانيا ً: تعاطي أطراف النزاع مع حق حرية الرأي والتعبير على أرض الواقع
يتبين مما سبق أن الشرعة الدولية والشرعة الإقليمية والشرعة الوطنية كلها كفلت حق الرأي والتعبير وأكدت ونصت عليه ولم تضع له قيود الا فيما يخص التعدي على الآخرين او انتهاك القانون او الاضرار بالأمن القومي الوطني، وكان لابد لهذه التشريعات ان تنعكس على أرض الواقع وأن يلمسها المجتمع سواءً افرادا ً ام جماعات حيث يمارسوا حقهم في ابداء آراءهم والتعبير عنها وبأي وسيلة دون تعرض من أحد سواء أفراد ام جماعات او حتى الدولة بل لا بد للدولة ان تقوم بحماية هذا الحق للمواطنين كونها أقرته واكدته في دساتيرها وقوانينها، الا أن هنالك ثمة فجوة كبيرة وكما هو معهود عند أغلب البلدان النامية بين النظرية والتطبيق، والجمهورية اليمنية تمثل نموذجاً حياً عن ذلك الواقع المرير وخاصة بعد دخولها في حرب منذ العام 2014م، عقب انقلاب جماعة الحوثي" انصار الله" على السلطة المعترف بها دولياً في العاصمة صنعاء، وأبان هذه الفترة تجزأت اليمن الى ثلاثة أجزاء جزء تسيطر عليه الحكومة المعترف بها دولياً وجزء يسيطر عليه المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا ً والجزء الثالث ذو الكثافة السكانية الأكبر تسيطر عليه جماعة الحوثي" انصار الله" وحيال ذلك الواقع تبقى حقوق الشعب ومنها حق الرأي والتعبير تتعرض للانتهاك والمصادرة وإن تفاوتت شدة ذلك بين طرف وآخر، وللوقوف على ابرز تلك الانتهاكات سنستعرض تعامل كل طرف مع هذا الحق وفق الآتي:
ما إن دخلت جماعة الحوثي_ أنصار الله_ الى العاصمة صنعاء في 21من سبتمبر عام 2014م، الا وأخذت تمارس أبشع أنواع التنكيل والاضطهاد لكل من يقف في وجهها، وكان أصحاب الفكر والرأي في مقدمة من نالهم النصيب من ذلك، فتعرضوا للقتل والاختطاف والاخفاء القسري والسجن الذي تمارس فيه اشد أنواع التعذيب الذي يؤدي بأكثرهم الى الوفاة والمحظوظ منهم من خرج بعد مرور سنتين الى ثلاث الى أربع أكثر او اقل وهو مصاب بعاهة نفسية او جسدية، الامر الذي أضطر بالكثير من المؤثرين و الصحفيين والناشطين الإعلاميين والسياسيين الى الهروب من ذلك الواقع المرير اما الى المناطق الجنوبية أو الشرقية ومن امتلك الإمكانات كان خارج الوطن خير له من داخله، ومن بلاد المهجر صار يقوم بدوره ويعبر عن رأيه بكل حرية في بلاد تكفل له حرية الرأي والتعبير كحق من حقوق الانسان التي حرم منها داخل وطنه، مستخدماً وسائل التواصل الاجتماعي كحلقة وصل بينه وبين أبناء وطنه، وهي الشيء الوحيد الذي لم يتمكن من الحيلولة دونه.
وبقي البعض من النشطاء الإعلاميين في الداخل يتكلمون ويبدون آراءهم في مواضيع لا تمت الى السياسة بصلة خوفاً مما قد يتعرضوا اليه إذا ما قاموا بذلك، وقد حصل بالفعل فالكثير من النشطاء الإعلاميين على مواقع التواصل الاجتماعي تعرضوا للخطف والسجن فقط لزلة_ زلة _ بدرت منهم لخوضهم وإبداء آراءهم حول قضية فساد مست أصحاب النفوذ داخل العاصمة صنعاء، والمبرر في ذلك دائماً هو (التواطؤ مع العدوان) والعمالة للأجنبي.
وبالنسبة للمواطنين فقد أصبحوا لا حول لهم ولا قوة، فأسلوب الترهيب الذي تنتهجه جماعة الحوثي " أنصار الله" أخرس السنة العامة وكمم افواههم وأوقف الحبر في أقلامهم، عن التعبير بالقول او القلم عن أي شيء ضدهم، لكن المجال مفتوح لأن تكتب وتتكلم عن العدوان والتطبيل لهم ووو... .
وفي المقابل أيضا ً فتحت الجماعة الباب على مصراعيه لأصحاب الرأي والفكر الذي يدعمهم وينتقد الأطراف الأخرى المعادية لهم، وتم ذلك عبر كل المنابر الإعلامية من مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية وعبر المنابر الدينية في المساجد، وفي مختلف المناسبات من أفراح واتراح حيث أصبحت لا تخلوا أي مناسبة من ذكر العدوان وترديد الشعار وتعظيم الإنجاز _ السراب _ الذي تحققه الجماعة.
وتتصدر جماعة الحوثي قائمة مرتكبي الانتهاكات ضد نشطاء حرية الرأي والتعبير بنسبة 60% حسب تقرير منظمة سام الحقوقية لعام 2020م، وابرز تلك الانتهاكات هو ما قامت به الجماعة منذ ما يقرب من ثمانية أعوام من اعتقال للصحفيين الأربعة "حارث حميد ، عبد الخالق عمران، أكرم الوليدي، توفيق المنصوري" وإخفاءهم بشكل قسري، والحكم عليهم بالإعدام دون أي مبرر قانوني، وقد أبدت منظمة سام الحقوقية خشيتها من تطبيق احكام الإعدام في ظل عدم وجود جدية من المجتمع الدولي من أجل تفعيل هذا الملف[12].
لم تكن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً بعيدة عن دائرة انتهاك حرية الرأي والتعبير الا انها لم تكن بنفس وطأة جماعة الحوثي المسيطرة على العاصمة صنعاء؛ حيث عمدت الحكومة الشرعية على ملاحقة الإعلاميين والصحفيين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي لمجرد انتقادهم للمؤسسات الحكومية والموظفين العموميين، مبررة سلوكها ذلك بالقيود التي فرضتها القوانين من تحريم انتقاد الرؤساء والشخصيات العامة او المؤسسة العسكرية، وبناءً عليه تكون التهمة الموجهة هي إهانة رئيس او مسؤول حكومي، الامر الذي يؤدي به الى المحاكمة ومن ثم السجن تصل الى عدة شهور إن لم تصل الى سنين بالإضافة الى تحميلهم لغرامات مالية، فمن بين تلك الممارسات هو ما تعرض له 3 صحفيين بالإضافة الى 17 مدنياً من اعتقال بشكل تعسفي في 18 من فبراير 2021م، وذلك لمجرد ممارستهم حقهم المشروع في التجمع السلمي والتعبير عن الرأي[13]، وبذلك تصبح الحكومة اليمنية في المرتبة الثانية لمنتهكي حرية الرأي والتعبير في اليمن بعد جماعة الحوثي بنسبة 30%[14]، مما استدعى ديانا سمعان:" أن تحض الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أن تضع حداً فورياً لمضايقتها وملاحقتها القضائية للصحفيين وأن تحترم حقهم في حرية التعبير، مشيرة الى انه يمكن ان تبدأ هذا المسار بالتخلي عن ممارسة استدعاء النشطاء والصحفيين الى الأجهزة الأمنية والعسكرية ووضع حد لإساءة توظيف القوانين المتعلقة بالتشهير الجنائي والامن القومي لقمع المعارضة، كما يجب على الحكومة ايضاً أن تجعل التشريعات الوطنية التي تحد من الحق في حرية التعبير متوافقة مع المعايير الدولية"[15].
وبذلك نلاحظ ان الاختلاف بين انتهاكات كلا الطرفين يكمن في أن الأول لا يعير القانون اهتماما ًليقوم بالانتهاكات ضد نشطاء الرأي والتعبير، والطرف الآخر يوظف القانون والسلطة القضائية للممارسة تلك الانتهاكات التي تطال الصحفيين والإعلاميين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
هو الطرف الثالث والآخر الذي كان له دور في انتهاك حرية الرأي والتعبير اثناء ما كان غير تابع للحكومة وبعد أن أصبح جزاءً من الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا ً، فبحسب " منظمة سام" تصل نسبة انتهاكات المجلس الانتقالي لحقوق الانسان الى 10%[16]، توزعت ما بين اغتيال واختطاف قسري وسجن وتهديد، مورست تجاه الصحفيين والإعلاميين المناهضين للمشروع الذي جاء به المجلس الانتقالي المدعوم اماراتيا ً والهادف الى تقسيم اليمن خدمة لمصالح الأطراف الخارجية، وابرز مثال على ذلك ما قامت به القوات التابعة للمجلس الانتقالي في 7 من أغسطس 2022 من اعتقال للصحفي أحمد ماهر مع أخيه بشكل تعسفي وإخفاءه قسراً، ليظهر بعد ذلك وعبر مقطع فيديو مصور وهو يعترف على نفسه بارتكاب جرائم تفجيرات واغتيالات[17]، وتشير منظمة سام الحقوقية أن تلك الممارسات كانت بسبب كتاباته ومنشوراته ضد المجلس الانتقالي وداعميه، مؤكدة أن تلك الممارسات التي تطال الصحفيين تستوجب مساءلة دولية، مطالبة في الوقت ذاته ضرورة إفراج المجلس الانتقالي عن كافة المعتقلين لا سيما الصحفيين دون قيد أو شرط.
خاتمة
يظل الصحفيين والإعلاميين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين يستخدمون حقهم الذي نصت عليه جميع المواثيق الدولية والإقليمية بل والوطنية في حرية الرأي والتعبير معرضين للاستهداف من قبل الأطراف المتنازعة والتي تعتبرهم يقفون حجر عثرة امام تحقيق مصالحهم بل بالأصح مصالح داعميهم من خلال ما يقومون به عند استخدام السنتهم وأقلامهم من نقل لمعاناة الشعب المضطهد في ظل حرب أكلت الأخضر واليابس، الى المجتمع الدولي بشعوبه ومؤسساته، الامر الذي يفضي الى إثارة ذلك المجتمع ضدهم، وعليه ليس هنالك حل لتحقيق هذا الحق وغيره من حقوق الانسان الا باتفاق جميع الأطراف والنظر الى مصلحة الوطن بعيداً عن المصالح الأخرى على بناء الدولة اليمنية الحديثة الديموقراطية التي تعترف بالحقوق والحريات وتكفلها للمواطنين أياً كانت صفتهم وموقعهم، وتدرك ان ما يقوم به نشطاء الرأي والتعبير ما هو الا تقويم لسلوك الحكومة وليس ضدها.
[1] الأمم المتحدة، الإعلان العالمي لحقوق الانسان، مادة رقم 19، https://2u.wpaCxN شوهد بتاريخ 29/ 1/ 2023.
[2] تقرير الجمهورية اليمنية الخاص بحقوق الانسان المقدم لمجلس حقوق الانسان، مايو/ 2009، المركز الوطني للمعلومات، https://2u.pw/u3E9Zi شوهد بتاريخ 29/1/ 2023م.
[3] الأمم المتحدة، حقوق الانسان، مكتب المفوض السامي، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مادة رقم 19، https://2u.pw/SJXLG ، شوهد بتاريخ 19/1/2023م.
[4] الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي وقعت عليها اليمن، المركز الوطني للمعلومات، https://2u.pw/nBQaC7 ، شوهد بتاريخ 29/1/2023م.
[5] إعلان القاهرة لمنظمة التعاون الإسلامي لحقوق الانسان، اللجنة العليا الدائمة لحقوق الانسان، المادة التاسعة عشرة https://2u.pw/yfzIbb ، شوهد بتاريخ 29/1/2023م.
[6] الميثاق العربي لحقوق الانسان، النسخة الاحدث، مادة رقم 32، https://2u.pw/WI4C7i ، شوهد بتاريخ 29/1/ 2023م.
[7] دستور الجمهورية اليمنية 1991م، المادة رقم 42، المركز الوطني للمعلومات، https://2u.pw/NMbCEI ، شوهد بتاريخ 30/1/2023م.
[8] للتأكد انظر دستور الجمهورية اليمنية المعدل عام 1994وعام 2001، المركز الوطني للمعلومات، مصدر سابق.
[9] وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل، فريق الحقوق والحريات، قرار رقم 62، 63، 2013-2014، ص 191.
[10] مسودة دستور اليمن الجديد، الحقوق والحريات، المادة رقم 82، 83، 84، الأمانة العامة للحوار الوطني، اليمن 2015، www.ndc.ye ، ص 21، 22
[11] القانون اليمني، قانون حرية الصحافة والمطبوعات، مادة رقم 3، 1990م،المركز الوطني للمعلومات، https://2u.pw/sTO2y شوهد بتاريخ 30/1/2023م.
[12] منظمة " سام" الحقوقية الاهلية، جنيف، 7/ 9/ 2020، https://2u.pw/KQWB0T ، شوهد بتاريخ 2/2/2023.
[13] سارة العريقي، مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، 4 أكتوبر، 2021م، متوفر على الرابط، https://2u.pw/nooIIG ، شوهد بتاريخ 26/2/2023م.
[14] المصدر نفسه.
[15] ديانا سمعان،" اليمن : يجب على الحكومة وقف الملاحقة القضائية للصحفيين والكف عن مضايقتهم"، منظمة العفو الدولية 18/8/2022م، https://shortest.link/fnsT ، شوهد بتاريخ 2/2/2023م.
[16] مصدر سابق، منظمة سام الحقوقية.
[17] مصدر سابق، منظمة سام للحقوق والحريات، https://2u.pw/4QefgH شوهد بتاريخ 26/2/2023م.